• القسم : سيرة النبي والأئمة (ع) .
        • الموضوع : سِيْرَةُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَميْن فَاطِمَةَ الزَّهْرَاء (عليها السلام) .

سِيْرَةُ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَميْن فَاطِمَةَ الزَّهْرَاء (عليها السلام)

نَسَبُهَا(ع)

هي فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهي بنت السيدة الجليلة خديجة بنت خويلد أشرف نساء العرب، وهي أصغر بنات رسول الله(ص) وقد انحصرت ذريته بها.

وِلادَتُهَا(ع)

وُلدت السيدة الزهراء(ع) في20 جمادى الثانية في السنة الخامسة للبعثة النبوية المباركة على المشهور، حيث ذهب الشيخ المفيد رحمه الله إلى أنها ولدت في السنة الثانية للبعثة.

وقد تم حملها بكرامة من الله عز وجل وقد رأت أمها في حملها أموراً عجيبة تكشف عن عظمة هذا الحمل.

روى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا عليه السّلام، قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: لمّا عُرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنّة فناولني من رُطَبها، فأكلتُه فتحوّل ذلك نُطفة في صُلبي، فلمّا هبطتُ إلى الأرض واقعتُ خديجة فحملتْ بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة:

فَاطِمَةُ(ع) حَوْرَاء إنْسِيّة

روى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا عليه السّلام حديث إسراء النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الجنّة، وجاء في آخره: ففاطمة حوريّة إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة:

مَعْنى فَاطِمَة

روى ابن حجر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: يا فاطمة، لِمَ سُمّيتِ فاطمة ؟ قال علي: لم سُمّيتْ فاطمة يا رسول الله ؟ قال صلّى الله عليه وآله: إنّ الله فطمها وذرّيّتها من النار:

فَاطِمة الجَنِيْن

روى الفتّال النيسابوري عن الإمام الصادق عليه السّلام في حديث ولادة فاطمة عليها السّلام، قال: إنّ خديجة لمّا تزوّج بها رسول الله صلّى الله عليه وآله هجرها نسوةُ مكّة، وكنّ لا يدخلنَ عليها ولا يُسلّمن عليها، ويمنعنَ امرأةً أرادت أن تدخل إليها، فاستوحشتْ خديجة لذلك، وكان جزعها وغمّها حذراً عليها، فلمّا حملتْ بفاطمة كانت فاطمة عليها السّلام تحدّثها من بطنها وتُصبّرها، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة، فقال لها: يا خديجة، مَن تُحدّثين ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يُحدّثني ويُؤنسني. قال: يا خديجة، هذا جبرئيل عليه السّلام يُبشّرني أنّها ابنتي، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة، ويجعلهم خلفاء في أرضه ـ الحديث. وفي آخره قصّة النساء الأربع اللاتي حضرنَ ولادتها وتولّين أمرها :

فَاطِمة

ما إن وضعت خديجة هذا المولود المبارك وإذا برسول الله(ص) يأتي ليرى مولوده الجديد الذي كانت له حكاية منذ ما قبل وجود الموجودات.

حملها النبي(ص) وإذا بجبرائيل الأمين يهبط عليه ويقول: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول: إني سميتها فاطمة..

نُوْرُ فَاطِمَة(ع)

ورد عن الإمام الصادق(ع) عن آبائه عن رسول الله(ص) أنه قال: خلق نور فاطمة(ع) قبل أن يخلق الأرض والسماء:

قال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية فقال: فاطمة حوراء إنسية قالوا: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية قال: خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله عز وجل آدم عرضت على آدم. قيل يا نبي الله وأين كانت فاطمة قال: كانت في حقة تحت ساق العرش قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها قال: التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد:

نَشْأَةُ فَاطِمَةَ(ع)

وُلدت السيدة فاطمة(ع) في بيت الوحي والنبوة ونشأت فيه ورأت ما رأته من الأحداث والمحن وعاشت صعوبات الرسالة يوماً بيوم وساعة بساعة حتى شاركت أباها كل همومه فكانت له بمنزلة الأم، ولذا أطلق عليها(أم أبيها) لقد فتحت عينيها على هذه الحياة وإذا بها تفقد أمها الكريمة سيدة مكة خديجة(ع) وكانت ترى الأذى الذي لحق بأبيها من جراء تبليغ رسالة السماء، فهي التي كانت تضمد له جراحاته بعد كل معركة، ولذا يمكن القول بأنها لم تعش الحياة التي تعيشها كل فتاة بل كانت تشعر بالمسؤوليات العامة والخاصة منذ الصغر.

ولا شك بأنها تعلمت الكثير عن أبيها النبي الأعظم فتخلقت بأخلاقه ونهلت من معينه فكانت صورة له في وجوده وبعد ارتحاله.

فعن عائشة، أنها قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا وهديا برسول الله (ص)، من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت تصنع هي به، وفي رواية لأبي داود، كان إذا دخلت عليه قام إليها فاخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه وكانت إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها:

لقد فتحت السيدة فاطمة الزهراء عينها في وجه الحياة، وفي وجه أبيها الرسول ترتضع من أمِّها السيدة خديجة اللبن المزيج بالفضائل والكمال.

وكانت تنمو في بيت الوحي نموًّا متزايداً، وتنبت في مهبط الرسالة نباتاً حسناً، يزقّها أبوها الرسول (صلى الله عليه وآله) العلوم الإلهية، ويفيض عليها المعارف الربانية، ويعلّمها أحسن دروس التوحيد، وأرقى علوم الإيمان وأجمل حقائق الإسلام.

ويربّيها أفضل تربية وأحسنها، إذ وجد الرسول في ابنته المثالية كامل الاستعداد لقبول العلوم ووعيها، ووجد في نفسها الشريفة الطيبة كل الروحانية والنورانية، والتهيؤ لصعود مدارج الكمال.

وَفَاةُ السَّيدَةِ خَدِيْجَة(ع)

كانت اللحظة من حياة الزهراء(ع) تُعد بساعة بسبب مرارة الظروف التي أحاطت بها وبالبيت الهاشمي بشكل عام، وكانت الأعوام تمر والمحن تزداد، وعندما بلغت السابعة من عمرها أو أكثر من ذلك بقليل ووجهت بفاجعة كبيرة وهي وفاة أمها خديجة.

وعندما كانت السيدة خديجة على فراش الموت دخل عليها رسول الله(ص) فقال لها: بالرغم منَّا ما نرى بك يا خديجة، فإذا قدمت على ضرائرك فاقرئيهن السلام! قالت: من هنَّ يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله): مريم بنت عمران، وكلثم أُخت موسى، وآسية امرأة فرعون. فقالت: بالرفاء يا رسول الله:

وكان(ص) يقول: أُمرت أن أُبشِّر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.

قال ابن الأثير في (النهاية): القصب - في هذا الحديث -: لؤلؤ مجوَّف واسع كالقصر المنيف. والصخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام.

وكانت السيدة خديجة تتأوه وتبكي فقالت لها أسماء بنت عميس: أتبكين وأنت سيدة نساء العالمين؟ وأنت زوجة النبي؟ مبشَّرة على لسانه بالجنة؟ فقالت: ما لهذا بكيت، ولكن المرأة ليلة زفافها لا بدَّ لها من امرأة تفضي إليها بسرِّها وتستعين بها على حوائجها، وفاطمة حديثة عهد بصبا، وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها حينئذ!

فقالت أسماء: يا سيدتي لك عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر.. إلخ.

وفارقت السيدة خديجة الحياة، وعمرها ثلاث وستون سنة (على قول) ودُفنت في الحَجون، فكانت وفاتها ضربة مؤلمة على قلب الرسول، وخاصة وأن النبي قد فجع بعمِّه أبي طالب بعد أيام أو شهور من وفاة السيدة خديجة فازداد حزناً، حتى سمَّى تلك السنة (عام الحزن) لأنه أصيب بمصيبتين عظيمتين على قلبه البار:

وبهذا فقد أضيف إلى سجلات عذاب فاطمة عذاب جديد واجهته كما واجهت غيره بإيمان وثبات على الحق.

فَاطِمَةُ(ع) والهِجْرَة

لقد عاشت الزهراء مع أبيها في مكة أصعب مراحل حياته، ثم بعد أن أمره الله تعالى بالهجرة لحقت به مع علي(ع) إلى المدينة حيث بدأت هناك مرحلة جديدة من مراحل الآلام على قلب الزهراء أرواحنا فداؤها.

وما ذكرناه عن معاناة الرسول في الجزء الأول وعن معاناة علي في الجزء الثاني هو نفسه ما نقوله عن معاناة الزهراء(ع) بل هو أعظم من معاناة أبيها وزوجها.

وبذل تكون(ع) قد شاركت أباها وبعلها هموم الهجرة ومرارة فراق الوطن وبيت الأم العطوفة.

ناهيك عن ليلة الهجرة حيث عاشت الزهراء ساعات قلق وخوف على أبيها المهدد بالقتل من قبل أربعين قبيلة

، ولما خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) بالفواطم من مكة وهُنَّ: فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة بنت أسد (أم أمير المؤمنين) وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، فلحقهم العدو، واعترضهم في أثناء الطريق للحيلولة دون الهجرة، وكان الموقف حرجاً، واستولى الرعب والفزع على قلوب الفواطم من الأعداء، وكادت أن تقع هناك كارثة أو كوارث لولا حفظ الله وعنايته، ثم بسالة الإمام علي وبطولته المشهورة، وكفاهم الله شر الأعداء، ونجى علي والفواطم بقدرة الله تعالى، وصلت الفواطم إلى المدينة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سبقهم إليها، وكان ينتظرهم، ولما وصلوا دخل النبي المدينة ونزل في دار أبي أيوب الأنصاري، والتحقت به ابنته فاطمة الزهراء، ونزلت على أُم أبي أيوب الأنصاري، كانت السيدة الزهراء تعيش تحت ظل والدها الرسول في المدينة بعد أن مرَّت بها عواصف شديدة وحوادث مؤلمة، من موت أُمها خديجة وهجرة أبيها الرسول من وطنه ومسقط رأْسه، وهجوم الأعداء على الدار، وهجرتها من مكة إلى المدينة، ومطاردة الأعداء لها، فهل انتهت تلك الحوادث والمصائب؟

فَاطِمَةُ الزّهْرَاءُ (ع) يَوْم أُحُد

بعد مدة من الهجرة وقعت غزوة أحد التي استشهد فيها العشرات من المسلمين وفي مقدمتهم حمزة بن عبد المطلب، فخرجت صفية بنت عبد المطلب (عمة النبي) وفاطمة الزهراء إلى أحد، فصاحت فاطمة، ووضعت يدها على رأسها، وخرجت تصرخ، وخرجت كل هاشمية وقريشية، واضعة يدها على رأسها، وكان وصول فاطمة الزهراء وصفية إلى أُحد بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وبعد أن قُتل من قُتِل، وجُرحَ من جُرح، وكان النبي يتفقد القتلى ويبحث عن المفقودين من أصحابه، وكان الحزن والغيظ قد أخذ من الرسول كل مأْخذ، فبينما هو كذلك وإذا به يرى عمَّته صفية وابنته فاطمة قد توجَّهتا نحو تلك المنطقة، فغطى الرسول جثمان حمزة بردائه، وستَرَه من القرن إلى القدم كي لا يُرى شيء من مواضع المثلة، وأقبلت صفية وفاطمة تعدُوان، وجلستا عند مصرع حمزة، وشرعتا بالبكاء والنحيب، ورسول الله يساعدهما على البكاء، ويشاركهما في الأنين والنحيب، ثم نظرت فاطمة إلى جراحة جبهة الرسول، وإلى الدماء المتخثرة على وجهه الطاهر ولحيته الشريفة، فصاحت وجعلت تمسح الدم وتقول: اشتدّ غضب الله على من أَدمى وجه رسول الله، فغسلت الدماء عن وجه أبيها، وكان علي يصبّ الماء بالمجن، فلما رأت فاطمة أنَّ الماء لا يزيد الدم إلاَّ كثرة عمدت إلى قطعة حصيرة فأحرقتها، وجعلت رمادها ضماداً على جبهة أبيها، وألزمته الجرح، فاستمسك الدم.

فَاطِمَةُ الزهْرَاءُ (ع) عَلَى أعتَابِ الزواج

امتازت فاطمة الزهراء(ع) منذ صغرها بالنضج الفكري بحيث إذا جالستها وتحدثت إليها لم تشعر بصغر سنها بل حسبتها أكبر مما تصورت، وكيف لا تكون كذلك وهي المعجزة الإلهية الخالدة.

كانت(ع) عالمة عاقلة بليغة فصيحة فقيهة حكيمة، بل كانت طاهرة مطهرة محدثة زكية مطمئنة صدّيقة، ولهذا تهافت الوجهاء على خطبتها من أبيها رسول الله(ص) الذي رد الجميع بقول جميع وانتظر أمر الله تعالى في زواج فاطمة.

فقد أخرج ابن سعد : أنَّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : « يا أبا بكر انتظر بها القضاء » فذكر ذلك أبو بكر لعمر ، فقال له عمر : ردَّك يا أبا بكر. ثُمَّ إنَّ أبا بكر قال لعمر : أخطب فاطمة إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فخطبها ؛ فقال له مثل ما قال لأبي بكر : « أنتظر بها القضاء »

وعن أنس بن مالك ، قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فغشيه الوحي ، فلمّا سري عنه قال : « يا أنس ، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش ؟ » قال : الله ورسوله أعلم ، قال : « إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ »

وعن عبدالله بن مسعود ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ ، ففعلت »

وعن أبي أيوب الانصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : « أمرت بتزويجك من السماء »
قال نفر من الأنصار لعليٍّ عليه السلام : عندك فاطمة. فأتى رسول الله(ص) فسلَّم عليه، فقال : « ما حاجة ابن أبي طالب » ؟ « ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ». قال : « مرحباً وأهلاً ».
ثمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرض « خطبة عليٍّ » على فاطمة ، فقال لها : « إنَّ عليَّاً يذكرك »، فسكتت ، فخرج يقول : « سكوتها إقرارها ».
وحين وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبول من كلا الطرفين ، سأل عليَّاً عليه السلام : « هل عندك شيء ؟ » وكان لا يملك غير سيفه ودرعه وناضحه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « فأمَّا سيفك فلا غنى بك عنه ، تجاهد في سبيل الله ، وتقاتل به أعداء الله ، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك ، وتحمل عليه حلَّك في سفرك ، ولكنِّي رضيتُ منه بالدرع »
فباعها وباع أشياء غيرها كانت عنده ، فاجتمع له منها أربعمائة درهم ، فكان هذا مهر فاطمة.
ولمَّا جاء عليُّ بن أبي طالب عليه السلام بالدراهم ، وضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأمره أن يجعل ثلثي الدراهم في الطيب ، والثلث الآخر في المتاع ، ففعل.

وجهزّت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان لها غير سرير من جريد النخل ، وسادة من آدم حشوها ليف ، ومنخل ومنشفة ، ورحى للطحن ، وجرّتان وقميص ، وخمار لغطاء الرأس ، وثوب له زغب ، وعباءة قصيرة بيضاء ، وجلد كبش..

أمَّا عليٌّ عليه السلام قد رشَّ أرض الدار برمل ناعم ، ونصب في البيت خشبة من لحائط إلى الحائط ، لتعليق الثياب ، إذ لا خزانة ولا صندوق لثياب العروس.
عن عليِّ بن أبي طالب عليه السلام قال : « لقد تزوَّجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار ، وما لي ولها خادم غيرها »

أَثَاثُ بَيْتِ فَاطمة(ع)

1 - فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جز الغنم. 2 - نطع من أدم (جلد). 3 - وسادة من أدم حشوها من ليف النخل. 4 - عباءة خيبرية. 5 - قربة للماء. 6 - كيزان (جمع كوز) وجرار (جمع جرة) وعاء للماء. 7 - مطهرة للماء مزفّتة. 8 - ستر صوف رقيق. 9 - قميص بسبعة دراهم. 10 - خمار بأربعة دراهم. 11 - قطيفة سوداء. 12 - سرير مزمّل بشريط. 13 - أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر (نبات معروف). 14 - حصير هجري. 15 - رحى لليد. 16 - مخضب من نحاس. 17 - قعب للبن. 18 - شنٌّ للماء.

رغم قلة أثاث منزلها إلا أنها عاشت كأسعد زوجة في الوجود مع أعظم رجل بعد أبيها رسول الله(ص) فكانت البنت المثالية والزوجة المثالية والأم المثالية التي أسست أسرة لا مثيل لها في تاريخ البشرية.

ولكن ليعلم الجميع بأن مهر فاطمة لم يقف عند تلك الحدود بل شمل الجنة الواسعة والشفاعة للمؤمنين في يوم الحساب، وهذا أغلى مهر في العالم.

وَفَاةُ رسُوْلِ الله(ص)

كل محن الزمان سقطت على رأس فاطمة(ع) ولكن جميع تلك المصائب لا تعادل في نظرها محنتها بوفاة أبيها الأعظم(ص) الذي كان يعني لها كل شيء في هذه الحياة، فقد التحق بالرفيق الأعلى والزهراء بأمس الحاجة إليه لأن الوضع كان حرجاً ونوايا القوم كانت خبيثة، فلقد توفي رسول الله(ص) وعاشت بعده الزهراء أشهراً قليلة قضتها بالبكاء على الرسول غير أن القوم حاولوا أن يمنعوها من البكاء كي يلغوا ذكره كلياً فصبرت على تلك المصائب التي انصبت على رأسها دفعة واحدة بعد فراق أبيها حيث اقتحموا دارها وقادوا بعلها وعصروها بين الحائط والباب وأسقطوا جنينها ,آذوها وقد سمعوا الرسول مراراً يخبرهم بأن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة فرموا كلام الرسول خلفهم ولم يعبأوا به.

وإن أعظم ما يمكن الإستدلال به على عظيم مظلوميتها هو ما قالته عند قبر أبيها الأعظم:

ماذا على من شمّ تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبّت عليَّ مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن ليالي

قُبَيْلَ الوَفَاة وعِنْدها وبَعْدَها

رأت في منامها أباها الرسول يخبرها بدنو رحيلها فانتبهت من نومها لأخذ التدابير اللازمة، كانت فرحة بلقاء الله، ولكنها اغتمت لأنها سوف تترك زوجها وأولادها لمحن وهموم الحياة، والله وحده كان يعلم ما يدور في هاجسها عند تلك اللحظات، فقد أقبلت متكئة على الجدار وراحت تغسل أطفالها الصغار، كانت تضع يدها على رؤوسهم وهي تودعهم بتلك اللمسات الأخيرة، فدخل علي(ع) منزله وإذا به يرى الزهراء قد قامت من فراش علتها لتمارس أعمالها المنزلية، فسألها عن سبب قيامها فأخبرته بأنه آخر يوم لها في هذه الحياة، فسألها عن سبب هذا النبأ فأخبرته برؤياها وقد نعت نفسها إليه، يا ابن عم!! إنه قد نُعيت إليَّ نفسي، وإنني لا أرى ما بي إلاَّ أنني لاحقة بأبي بعد ساعة، وأنا أُوصيك بأشياء في قلبي.

قال لها علي (عليه السلام): أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله، فجلس عند رأسها، وأخرج من كان في البيت، ثم قالت: يا بن عم!! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، وما خالفتك منذ عاشرتني. قال علي (عليه السلام): معاذ الله!! أنتِ أعلم باللهِ، وأَبرُّ وأتقى وأكرم، وأشدُّ خوفاً من الله من أن أُوبِّخك بمخالفتي، وقد عزَّ عليَّ مفارقتك وفقدكِ، إلاَّ أنَّه أمر لا بدَّ منه،

والله لقد جددتِ عليَّ مصيبة رسول الله، وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون، من مصيبة ما أفجعها وآلمها، وأمضَّها وأحزنها، هذه مصيبة لا عزاء منها، ورزية لا خلف لها، ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ الإِمام رأْسها وضمها إلى صدره ثم قال:

أوصيني بما شئت، فإنك تجدينني وفياً أُمضي كل ما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري، فقالت: جزاك الله عني خير الجزاء، يا بن عم! أوُصيك أولاً:

أن تتزوج بعدي بابنة أُختي أُمامة، فإنها تكون لُولدي مثلي، فإن الرجال لا بدَّ لهم من النساء.

ثم قالت: أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، فإنهم عدوي وعدو رسول الله، ولا تترك أن يصلي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار.

...يا أبا الحسن! ولا تُصح في وجههما فيصبحْان يتيمين غريبين نكسرين، فإنهما بالأمس فقدا جدَّهما واليوم يفقدان أُمَّهما، فالويل لأُمَّة تقتلهما وتبغضهما.

هذه بعض وصايا السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي يتجلى فيها مدى تألمها من ذلك المجتمع، ومدى تذمُّرها من الجفاة القساة.

ارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قُبض فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصاح أهل المدينة صيحة واحدة، واجتمعت نساء أهل المدينة في دار السيدة فاطمة، فرأينها مسجّاة في حجرتها، وحولها أيتامها يبكون على أُمهم التي فقدوها في عنفوان شبابها، صرخت النساء صرخة كادت المدينة أن تتزعزع من صراخهن وهن يصحن: يا سيدتاه، يا بنت رسول الله

وأقبل الناس مسرعين وازدحموا مثل عُرف الفرس على باب البيت، وعلي جالس، والحسن والحسين بين يديه يبكيان، فبكى الناس لبكائهما.

وجاءت عائشة لتدخل فقالت أسماء: لا تدخلي. فكلَّمت عائشة أبا بكر فقالت: إن الخثعمية تحول بيننا وبين ابنة رسول الله وقد جعلت لها هودج العروس، فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال: يا أسماء: إن فاطمة أمرتني أن لا يدخل عليها أحد، وأريتُها هذا الذي صنعت وهي حية، فأمرتني أن أصنع لها ذلك. قال أبو بكر: فاصنعي ما أَمَرَتْكِ. ثم انصرف.

وأقبل الشيخان إلى علي يعزّيانه، ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله.

كان الناس ينتظرون خروج الجنازة فأمر علي (عليه السلام) أبا ذر فنادى: انصرفوا، فإن ابنة رسول الله قد أُخِّر إخراجها في هذه العشية.

وهكذا تفرّق الناس، وهم يظنون أن الجنازة تشيّع صباح غدٍ، إذ أنّ السيدة فاطمة الزهراء فارقت الحياة بعد صلاة العصر، أو أوائل الليل

مضى من الليل شطره، وهدأت الأصوات، ونامت العيون، ثم قام الإِمام لينفِّذ وصايا السيدة فاطمة.

حمل ذاك الجسد النحيف الذي أذابته المصائب حتى صار كالهلال.

حمل ذلك البدن الطاهر كي يُجري عليه مراسم السُّنة الإِسلامية.

وضع ذلك الجثمان المطهّر على المغتسل، ولم يجرّد فاطمة من ثيابها تلبيةً لطلبها، إذ لا حاجة إلى نزع الثوب عن ذلك البدن الذي طهره الله تطهيراً، ويكفي صب الماء على البدن، كما صنع ذلك في تغسيل النبي الطاهر.

يقول الإِمام الحسين (عليه السلام): غسَّلها ثلاثاً وخمساً، وجعل في الغسلة الأخيرة شيئاً من الكافور، وأشعرها مذراً سابغاً دون الكفن، وهو يقول:

اللهم إنها أَمَتك، وابنة رسولك وصفيك، وخيرتك من خلقك اللهم لقِّنها حجّتها، وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها وبين أبيها محمد (صلى الله عليه وآله)

وبعد الفراغ من التغسيل حملها ووضعها على أكفانها، ثم نشّفها بالبردة التي نشف بها رسول الله وحنَّطها بحنوط السماء الذي يمتاز عن حنوط الدنيا.ثم لفَّها في أكفانها، وكفَّنها في سبعة أثواب

كان الأطفال ينتظرون هذه الفرصة وهذا السماح لهم لكي يودّعوا تلك الحوراء، ويعبّروا عن آلامهم وأصواتهم ودموعهم المكبوتة المحبوسة، فأقبلوا مسرعين، وجعلوا يتساقطون على ذلك الجثمان الطاهر كما يتساقط الفَراش على السراج.

كانوا يبكون بأصوات خافتة، ويغسلون كفن أُمّهم الحانية بالدموع، فتجففها الآهات والزفرات.

وهنا حدث شيء يعجز القلم عن تحليله وشرحه، وينهار أمامه قانون الطبيعة، ويأْتي دور ما وراء الطبيعة، فالقضية عجيبة في حد ذاتها، لأنها تحدّت الطبيعة والعادة:

يقول علي (عليه السلام) وهو إذ ذاك يشاطر أيتام فاطمة في بكائهم وآلامهم.

يقول: (أُشهد الله أنها حنَّت وأنَّت وأخرجت يديها من الكفن، وضمَّتهما إلى صدرها مليّاً).

وانتهت مراسيم التكفين والتحنيط، وجاء دور الصلاة عليها ثم الدفن، لقد حضر الأفراد الذين تقرر أن يشتركوا في تشييع الجثمان ومراسم الصلاة وغيرها، وهم الذين لم يظلموا فاطمة، ولم يسكتوا أمام تلك الأحداث، ولم يكن موقفهم موقف المتفرج الذي لم يتأثر بالحوادث.

لقد حضروا في تلك الساعة المتأخرة من تلك الليلة خائفين مترقبين، إذ قد تقرر إجراء تلك المراسم ليلاً وسرّاً، واستغلال ظلمة الليل مع رعاية الهدوء والسكوت، كل ذلك لأجل تنفيذ وصايا السيدة فاطمة الحكيمة.

لقد حضروا، وهم: سلمان، عمار بن ياسر، أبو ذر الغفاري، المقداد، حذيفة، عبد الله بن مسعود، العباس بن عبد المطلب، الفضل بن العباس، عقيل، الزبير، بريدة، ونفر من بني هاشم، وشيّعوا جثمان فاطمة الزهراء البنت الوحيدة التي تركها الرسول الأقدس بين أُمته، وكأنها امرأة غريبة خاملة فقيرة في المدينة، لا يعرفها أحد وكأنها لم تكن المنزلة الرفيعة والشخصية المثالية.

هؤلاء هم المشتركون في تشييع جنازة سيدة نساء العالمين.

وتقدم الإِمام علي (عليه السلام) وصلَّى بهم على حبيبة رسول الله، قائلاً: اللهم إني راضٍ عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، اللهم إنها قد هُجِرت فَصِلها، اللهم إنها قد ظُلِمت فاحكم لها وأنت خير الحاكمين

ثم صلَّى ركعتين ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور. فأضاءت الأرض ميلاً في ميل.

صلى الإِمام علي (عليه السلام) عليها، إذ أنها كانت معصومة، فيجب أن يصلي عليها المعصوم، فالصلاة على الميت دعاء له بالرحمة. وأما بالنسبة للمعصوم فالدعاء له أي الصلاة على جثمانه فهو من واجب المعصوم.

لقد حفروا القبر للسيدة فاطمة، وحفروا مرقداً لتلك الزهرة الزهراء، واللؤلؤة النوراء، وتقدّم أربعة رجال وهم علي والعباس والفضل بن العباس ورابع يحملون ذلك الجسد النحيف

ونزل علي (عليه السلام) إلى القبر لأنه وليّ أمرها، وأولى الناس بأمورها، واستلم بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأضجعها في لحدها، ووضع ذلك الخد الذي طالما تعفَّر بين يدي الله تعالى في حال السجود ذلك الخد الذي كان يقبّله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل ليلة قبل أن ينام وضع ذلك الخد على تراب القبر وقال: يا أرض أستودعكِ وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).

سلَّمتك أيتها الصّدّيقة إلى من هو أولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك. ثم قرأ (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) وسوّى علي (عليه السلام) قبرها

هاجت به الأحزان لمّا نفض يده من تراب القبر فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:

السلام عليك يا رسول الله عني، السلام عليك عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.

قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفى عن سيدة نساء العالمين تجلّدي، إلاَّ أن في التأسي لي بسُنَّتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، بعد أن فاضت نفسك بين نحري وصدري، وغمّضتك بيدي، وتولَّيت أمرك بنفسي، بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استُرجعتِ الوديعة، وأخُذت الرهينة، واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله!! أمّا حزني فَسَرمد، وأمّا ليلي فمسهَّد، وهمٌّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم....الخ

وقد توفيت بعد وفاة رسول الله(ص) بحوالي 75 يوماً وقيل 95 يوماً.

الأثَرُ الخَالِدُ

خُطْبَة السيدةِ الزَّهْراء(ع)

لَمّا أجْمَعَ أبوبكر عَلى مَنْعِ فاطمةَ عليها السلام فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله، حَتّى دَخَلَتْ عَلى أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَ غَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ. فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ. ثُمَّ أمْهَلَتْ هَنِيَّةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها، فَقَالَتْ عليها السلام:

الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَْوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَْشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ.

وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ. ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ.

فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.

ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إليْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاختِيارٍ، ورَغْبَةٍ وَإيثارٍ بِمُحَمَّدٍصلى الله عليه وآله عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ في راحةٍ، قَدْ حُفَّ بالمَلائِكَةِ الأبْرارِ، وَرِضْوانِ الرَّبَّ الغَفارِ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ. صلى الله على أبي نبيَّهِ وأَمينِهِ عَلى الوَحْيِ، وَصَفِيِّهِ وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيِّهِ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثُمَّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت:

أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.

فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ، وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بالرُّبُوبِيَّةِ، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَ أطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه {إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ}.

ثُمَّ قالت: أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْغَلُما أفْعَلُ شَطَطاً: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم} فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ صَلى الله عليه وآله. فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعاً بِالنِّذارَةِ، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأكْظامِهِمْ، داعِياً إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ، يَكْسِرُ الأَصْنامَ، وَيَنْكُتُ الْهامَ، حَتَّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُرَ، حَتّى تَفَرَّى اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطينِ، وَطاحَ وَشيظُ النِّفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}.

فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، {كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ}، أوْنَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ، وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في

لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ.

فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.

فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ}.

فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأَنَى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغَبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ، أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ، {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ السْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا، وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنِّى ابْنَتُهُ.

أَيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا}، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَ اُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ الْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي لارَحِمَ بَيْنَنَا! أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولًونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، وَلَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً. تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَ الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ ما تَخْسِرُونَ، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}

ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِها نَحْوَ الْأَنْصارِ فَقالَتْ: يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله علبه وآله أبِي يَقُولُ: ((اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ))؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ!

أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله؟! فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ، وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَكُسِفَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمالُ، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَاُضيعَ الْحَرِيمُ، وَاُزيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ. فَتِلْكِ وَاللهِ النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُهُ- فِي أَفْنِيَتِكُمْ فِي مُمْساكُمْ وَمُصْبَحِكَمْ هِتافاً وَصُراخاً وَتِلاوَةً وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضاءٌ حَتْمٌ: {وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ}.

أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛ تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّجَبَةُ الَّتي انْتُجِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي اخْتيرَتْ! قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ الاُْمَمَ، وَكافَحْتُمً الْبُهَمَ، فَلا نَبْرَحُ أو تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ نُعَرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ؛ فَأَنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم ْبَعْدَ الإْيمانِ؟ {ألا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَداؤُكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

أَلا قَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، {فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأْرْضِ جَمِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. ألا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخَذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ التِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ، وَلكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَخَوَرُ الْقَنا، وَبَثَّةُ الصُّدُورِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ.

فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلِبُونَ}، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، {فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ}.

فَأَجابَها أَبُوبَكْرٍ عَبْدُاللهِ بْنُ عُثْمانَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ كانَ أَبُوكِ بالمُؤْمِنِينَ عَطُوفاً كَريماً، رَؤُوفاً رَحِيماً، وَعَلىَ الْكافِرِينَ عَذاباً ألِيماً وَعِقاباً عَظِيماً ؛ فَإنْ عَزَوْناهُ وَجَدْناهُ أباكِ دُونَ النِّساءِ، وَأَخاً لِبَعْلِكِ دُونَ الْأَخِلاّءِ، آثَرَهُ عَلى كُلِّ حَمِيمٍ، وَساعَدَهُ فِي كُلِّ أمْرٍ جَسيمٍ، لا يُحِبُّكُمْ إلّا كُلُّ سَعِيدٍ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إلّا كُلُّ شَقِيٍّ ؛ فَأَنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله الطَّيِّبُونَ، وَالْخِيَرَةُ الْمُنْتَجَبُونَ، عَلَى الْخَيْرِ أَدِلَّتُنا، وَإلَى الْجَنَّةِ مَسالِكُنا، وَأَنْتِ -يا خَيْرَةَ النِّساءِ وَابْنَةَ خَيْرِ الْأنْبِياءِ- صادِقَةٌ فِي قَوْلِكَ، سابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ، غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقِّكِ، وَلا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ، وَ وَاللهِ، ما عَدَوْتُ رَأْيَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله يَقُولُ: ((نَحْنُ مَعاشِرَ الْأَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا داراً وَلا عِقاراً، وَإنَّما نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ)).

وَقَدْ جَعَلْنا ما حاوَلْتِهِ فِي الكُراعِ وَالسِّلاحِ يُقابِلُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُجاهِدُونَ الْكُفّارَ، وَيُجالِدُونَ الْمَرَدَةَ ثُمَّ الْفُجّارَ. وَذلِكَ بِإجْماعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أَتَفَرَّدْ بِهِ وَحْدِي، وَلَمْ أَسْتَبِدَّ بِما كانَ الرَّأْيُ فِيهِ عِنْدِي. وَهذِهِ حالي، وَمالي هِيَ لَكِ وَبَيْنَ يَدَيْكِ، لانَزْوي عَنْكِ وَلا نَدَّخِرُ دُونَكِ، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ اُمَّةِ أبِيكِ، وَالشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ لِبَنِيكِ، لا يُدْفَعُ ما لَكِ مِنْ فَضْلِكِ، وَلا يُوضَعُ مِنْ فَرْعِكِ وَأَصْلِكِ ؛ حُكْمُكِ نافِذٌ فِيما مَلَكَتْ يَداي، فَهَلْ تَرينَ أَنْ اُخالِفَ فِي ذلِكِ أباكِ صلّى الله عليه وآله؟

فَقَالَتْ عليها السلام: سُبْحانَ اللهِ! ما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآلهِ عَنْ كِتابِ الله صادِفاً، وَلا لِأَحْكامِهِ مُخالِفاً، بَلْ كانَ يَتَّبعُ أَثَرَهُ، وَيَقْفُو سُورَهُ، أَفَتَجْمَعُونَ إلى الْغَدْرِ اْغتِلالاً عَلَيْهِ بِالزُّورِ ؛ وَهذا بَعْدَ وَفاتِهِ شَبِيهٌ بِما بُغِيَ لَهُ مِنَ الْغَوائِلِ فِي حَياتِهِ. هذا كِتابُ اللهِ حَكَماً عَدْلاً، وَناطِقاً فَصْلاً، يَقُولُ:

{يَرِثُني وَيَرِثُ مَنْ آلِ يَعْقوبَ} ،{وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ} فَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فيما وَزَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَقْساطِ، وَشَرَّعَ مِنَ الفَرايِضِ وَالميراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظَّ الذُّكْرانِ وَالإِناثِ ما أَزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلينَ، وأَزالَ التَّظَنّي وَالشُّبُهاتِ في الغابِرينَ، كَلاّ {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُم أَنْفُسُكُمْ أَمْراًفَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفونَ} فَقالَ أَبو بَكْرٍ: صَدَقَ اللهُ وَرَسولُهُ، وَ صَدَقَتِ ابْنَتَهُ؛ أَنْتِ مَعْدِنُ الحِكْمَةِ، وَمَوْطِنُ الهُدى وَ الرَّحْمَةِ، وَرُكْنُ الدِّينِ وَعَيْنُ الحُجَّةِ، لا أُبْعِدُ صوابَكِ، وَلا أُنْكِرُ خِطابَكِ هؤلاءِ المُسْلِمونَ بَيْنِيَ وبَيْنَكِ، قَلَّدوني ما تَقَلَّدْتُ، وَ باتِّفاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ ما أَخَذْتُ غَيْرَ مُكابِرٍ وَلا مُسْتَبِدٍّ وَلا مُسْتَأْثِرٍ، وِهُمْ بِذلِكَ شُهودٌ.

فَالتَفَتَتْ فاطِمَةُ عَلَيْها السَّلام وَقالَتْ: مَعاشِرَ النّاسِ المُسْرِعَةِ إِلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةِ عَلى الفِعْلِ القَبيحِ الخاسِرِ {أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوبِهِم أَقْفالُها} كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلوبِكُمْ ما أَسَأتُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ، فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصارِكُمْ، وَ لَبِئْسَ ما تَأَوَّلْتُمْ، وَساءَ ما أَشَرْتُمْ، وشَرَّ ما مِنْهُ اعتَضْتُمْ، لَتَجِدَنَّ _ وَاللهِ_ مَحْمِلَهُ ثَقيلاً، وَ غِبَّهُ وَبيلاً إِذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وَبانَ ما وَراءَهُ الضَراءُ، {وَبَدا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ

ما لَمْ تَكونوا تَحْتَسِبونَ} وَ {خَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ}.

ثُمَّ عَطَفَتْ عَلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَقالَتْ:

قَدْ كان بَعْدَكَ أَنْباءٌ وَ هَنْبَثَةٌ لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْبُرِ الخَطْبُ

إِنّا فَقَدْناكَ فَقْدُ الأَرْضِ وابِلُها وَاخْتَلَّ قَوِمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نَكِبوا

وَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبى وَمَنْزِلَةٌ عِنْدَ الإِلهِ عَلَى الأَدْنَيْنِ مُقْتَرِبُ

أَبْدَتْ رِجالٌ لَنا نَجْوى صُدورِهِمِ لَمّا مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ التُّرَبُ

تَجَهَّمَتْنا رِجالٌ واسْتُخفَّ بِنا لَمّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الأَرْضِ مُغْتَصَبُ

وَكُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِهِ عَلَيْكَ تُنْزَلُ مِنْ ذي العِزَّةِ الكُتُبِ

وَكانَ جِبْريلُ بِالآياتِ يونِسُنا فَقَدْ فُقِدْتَ فَكُلُّ الخَيْرِ مُحْتَجِبٌ

فَلَيْتَ قَبْلَكَ كانَ المَوْتُ صادَفَنا لِما مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ الكُتُبُ

إِنّا رُزِئْنا بِما لَمْ يُرْزَ ذُو شَجَنٍ مِنَ البَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَلا عَرَبُ

ثُمَّ انْكَفَأَتْ عليها السلام وأميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام يَتَوَقَّعُ رُجُوعَها إليْهِ، وَيَتَطَلَّعُ طُلُوعَها عَلَيْهِ. فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِها الدّارُ قالتْ لأميرِ المُؤمنينَ عليه السلام: يا ابْنَ أبِي طالِب! اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الجَنِينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنينِ! نَقَضْتَ قادِمَةَ الأَجْدِلِ، فَخانَكَ ريشُ الأَعْزَلِ؛ هذا ابْنُ أبي قُحافَةَ يَبْتَزُّنِي نُحَيْلَةَ أبي وَبُلْغَةَ ابْنِي، لَقَدْ أجْهَرَ في خِصامِي، وَالفَيْتُهُ أَلَدَّ في كَلامِي، حَتَّى حَبَسَتْنِي قَيْلَةُ نَصْرَها، وَالمُهاجِرَةُ وَصْلَها، وَغَضَّتِ الجَماعَةُ دُونِي طَرْفَها؛ فَلا دافِعَ وَلا مانِعَ، خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً، أَضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، إِفْتَرَسْتَ الذِّئابَ، وَافْتَرَشْتَ التُّرابَ، ما كَفَفْتُ قائِلاً، وَلا أَغْنَيْتُ باطِلاً، وَلا خِيارَلي. لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ هَنِيَّتِي وَدُونَ زَلَّتِي. عَذيريَ اللهُ مِنْكَ عادِياً وَمِنْكَ حامِياً. وَيْلايَ في كُلِّ شارِقٍ، ماتَ الْعَمَدُ، وَوَهَتِ الْعَضُدُ.

شَكْوايَ إلى أبي، وَعَدْوايَ إلى رَبِّي. اللّهُمَّ أنْتَ أشَدُّ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأحَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلاً.

فَقالَ أمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: لاوَيْلَ عَلَيْكِ، الْوَيْلُ لِشانِئِكِ، نَهْنِهي عَنْ وَجْدِكِ يَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيَّةَ النُّبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ ديِني، وَلا أَخْطَأْتُ مَقْدُوري، فَإنْ كُنْتِ تُريدينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفيلُكِ مَأمُونٌ، وَما أعَدَّ لَكِ أفْضَلُ ممّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي اللهَ، فَقالَتْ: حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ.

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2023/05/31  | |  القرّاء : 3404



البحث :

جديد الموقع :


 كلمة العلامة الخطيب خلال اللقاء العلمائي الذي أقيم في مقر المجلس - الحازمية بمناسبة 15 شعبان
 كلمة العلامة الخطيب خلال كلمة تأبينية في حسينية بلدة المروانية
 خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب
 ندوة حوارية في المجلس الشيعي حول فكر الإمام شمس الدين: الخطيب وسلام وعبس ورحال يطرحون رؤية العالم الراحل
 العلامة الخطيب يزور الخيام ويواكب العائدين إليها: اليوم إنكسر جبروت العدو إنتصارا لكل لبنان
 خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب
 العلامة الخطيب من الهرمل: نريد جيشا قويا ودولة تدافع عن لبنان وليس عن طائفة
 كلمة العلامة الخطيب خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
 رسالة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب
 كلمة العلامة الخطيب خلال الحفل التأبيني للراحل الحاج محمد قاسم الخطيب

مواضيع متنوعة :


 العلامة الخطيب التقى المراجع الدينية وكبار العلماء في النجف ويعود مساء الى بيروت
 رسالة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب
 زيارة نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب الى مطرانية دير الأحمر المارونية.
 كلمة العلامة الخطيب خلال حفل تأبيني للعميد أمين حطيط في بلدة الدوير
 خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب / لبايا.
 سِيْرَةُ الإِمَامِ مُوْسَى الكَاظِم (عليه السلام)
  سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب يستقبل مدير مؤسسة رواد للتنمية والإعلام الشيخ حسين الكعبي
 كلمة العلامة الخطيب خلال مجلس عزاء حسيني في بلدة النبي شيت
 العلامة الخطيب يستقبل وفد حركة الجهاد الإسلامي
 العلامة الخطيب يستقبل رئيس حركة الإصلاح والوحدة الشيخ د. ماهر عبدالرزاق على رأس وفد علمائي من محافظة عكار

إحصاءات :

  • الأقسام : 21
  • المواضيع : 113
  • التصفحات : 339815
  • التاريخ :
 
 
الموقع بإشراف : مركز الدراسات والتوثيق © في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى - لبنان
تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة © Anwar5.Net