
أدى سماحة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة جماعة في مسجد بلدة لبايا ( البقاع الغربي)، وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين والسلام عليكم ايها الأخوة المؤمنون والاخوات المؤمنات ورحمة الله وبركاته.
قال تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم).
تأتي هذه الآية المباركة بعد جملة من الآيات التي سبقتها حول تحويل قبلة المسلمين الى الكعبة الشريفة كنقطة مركزية لشعيرة الحج وتوجه المسلمين إليها من كل انحاء العالم في صلواتهم خمس مرات في اليوم
وما أراد الله تعالى بيانه والإشارة اليه فيها هو الطبيعة التي يتميز بها اليهود من التكبر واعتبار أنفسهم شعب الله المختار، وأن على الآخرين أن يكونوا اتباعاً لهم يقودونهم وفق ما تقتضيه مصالحهم السياسية والاقتصادية لان اليهودية تحولت من الى نهج دنيوي لا علاقة للدين به اطلاقا تعبّر عنها اليوم بشكل سافر الصهيونية العالمية،
وحيث ان اليهود كان لهم نفوذ كبير في جزيرة العرب يمارسون الفتن ويستغلون الخلافات القبلية ويعززونها عيّروا المسلمين في محاولة لاضعاف معنوياتهم الذين كانوا يتوجّهون في صلاتهم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، بانهم تبع لهم في رمزية جعل بيت المقدس قبلة لهم، وان ذلك لفضل ذاتي فيه وقد آذى هذا التصرف لليهود ومشركي مكة النبي (ص) فكان تحويل القبلة معبّرا عن مرحلة جديدة واستراتيجة في التحول المعرفي والسياسي لمحورية الاسلام ورداً على اليهود ومشركي الجزيرة العربية الذين شكلوا بوقا لهم
لنشر اضاليلهم وردا ايضا على مقولتهم ان المكانة لبيت المقدس ليس لميزة نابعة من خصوصية ذاتية له وإنما كانت من الله تعالى يجعلها تحقيقا لأغراض ومصالح للناس، فإذا رأى أن المصلحة في جعل غيره من الامكنة كالكعبة حوّلها اليه، وثانياً ولأن الاعتبار لدى الناس في أن توجه المسلمين إلى بيت المقدس وجعلها قبلة لهم يعني تبعية المسلمين لليهود، أراد الله تعالى أن يلغي اسباب هذا الاعتبار بتغيير القبلة الى بيت المقدس وتحويلها إلى الكعبة الشريفة في مكة، ليريح المسلمين من تعيير اليهود لهم واتهامهم بالتبعية لأنهم كانوا اتخذوها قبلة لهم قبل المسلمين فالموضوع كان أمراً معنوياً أُريد به رفع معنويات المسلمين وأنهم على دين جديد نسخ الله به اليهودية وأنهم ليسوا تبعا لليهود ولا يسلمون لهم انحرافهم وعنصريتهم باعتبار انفسهم الاعلى وان على الآخرين ان يكونوا اتباعاً لهم ، على ان هذه الاساليب لم تقتصر على موضوع القبلة بل تعداه إلى الاتهام بأن القرآن اخذت مضمامينه من التوراة،
لذا كان تحويل القبلة إلى الكعبة الشريفة ضربة معنوية كبيرة وجهت إليهم لأنها تعني نسخ ديانتهم وان عليهم اتباع هذا الدين الجديد والاقلاع عن الاعتقاد بتميزهم كقومية، وان التميز هو للحق فقط وليس للعنصر القومي قط وهو اهم ما ميّز الإسلام بجعله ميزان التفاضل ميزاناً موضوعياً لا عنصرياً.
ابها الإخوة والأخوات. لقد كان ضرورياً ان يُستَكمل للمسلمين ما يميّزهم عن اليهود بإعطائهم هويتهم الخاصة بهم حتى بالمظاهر الشكلية احيانا حتى تنتفي عوامل الاستغلال من اليهود الذين يتقنون هذه الاساليب للإضلال والتوهين.
وقد تحدث القرآن الكريم في كثير من سوره عن اليهود ومكرهم وخيانتهم للعهود والمواثيق وعن حبهم للمال واستحلالهم أكل الربا و بخلهم وتمسكهم بالدنيا وتعلقهم بها والجبن عن المنازلة في الحرب والقتال الا من وراء جدر ونسبتهم الى الله تعالى افعال وصفات لا تليق بالجلالة، وانبيائه باتهامات لا اخلاقية كارتكابهم الكذب والفحش والزنى والعياذ بالله تعالى.
فهم عبارة عن مجموعة حل في روحها الشيطان الرجيم وتلبسها ليحقق ما قاله تحديا لذي العزة والجبروت (لاقعدن لهم صراطك) بعد ان نبه سبحانه آدم منه وكشف له عن عداوته لصاحب العزة والجلال وللإنسان معا حيث قال تعالى (انه عدو لي ولك) اي للإنسان عبر آدم ابي البشر عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقال تعالى (ولقد اضل منكم جبلا كثيرا أفلا تعقلون) انهم دائما ما كانوا وراء انتشار تجارة الرذيلة والموبقات والدعاية يديرونها في العالم يبررون لها بفلسفات انطلت على الكثيرين ويستخدمون أقذر الوسائل لتحقيق اهدافهم منها الاغتيالات عبر تشكيلات سرية استطاعوا عبرها الإمساك بالاقتصادات العالمية ويقفون وراء المافيات الدولية والتنظيمات السرية للقتل ويتحكمون بالنظام المالي والمصرفي ويقفون وراء إشعال الفتن والحروب والانقلابات يسقطون بلدا ويرفعون آخر كيفما اتفقت مصالحهم للامساك بالنظام العالمي ويفرضون قوانين تجرّم كل من يتعرض لهم بقول أو فعل تحت عنوان التعرض للسامية، وقد عانت من خبثهم منطقتنا العربية والاسلامية أشد الوان القهر والفتن والتآمر فاحتلوا فلسطين وارتكبوا المجازر بحق أهلها وبحق العرب والمسلمين ودول ما يسمى بالنامية وانتهبوا خيراتها بعد ان اشغلوها بالفتن والحروب وحولوها إلى أسواق لبضائعهم حيث يمتلكون الشركات المنتجة وشركات الأسلحة العالمية الكبرى وحولوا سكان هذه البلاد إلى صنائع يعملون بالسخرة لديهم وما يقال ويكتب عنهم افظع من ذلك بكثير .
ويكفينا نحن العرب والمسلمين ما تعرضت له بلداننا على مدى السبعين عاما الماضية من التجزئة والتقسيم والاحتلال والمجازر والتهجير في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر دون ادانة او حتى استنكار او تطبيق لقرار يصدر عن مجلس الأمن اذا صدر، فهم جرثومة الفساد في هذا العالم بكل معنى للكلمة.
لقد كان أخطر مشاريعهم في منطقتنا في الآونة الأخيرة من بداية هذا القرن احتلال العراق وافغانستان تصديا لأخطار تنامي حركات المقاومة التي الهبتها ثورة الامام الخميني رض على نظام الشاه وادت إلى اسقاطه وخسارة الكيان الاسرائيلي الدور الاستراتيجي الذي كانت تلعبه ايران الى جانبه مما دعا قادة الكيان الصهيوني الى اطلاق جملة تصريحات متنبئا بأن عصف هذه الثورة سيتجاوز الحدود الى فلسطين المحتلة مهددا بمنازلته في منتصف الطريق وبعد فشله في إيقاف ترددات هذه الثورة نفذ العدو تهديداته وشن حربه اللئيمة على لبنان محتلا عاصمته بيروت بالتعاون مع مليشيات محلية ارتضت لنفسها القيام بهذا الدور تحمّل نتائجها الكارثية لبنان الدولة والشعب ، وكان ان تصدت له المقاومة بكل شجاعة وحررت معظم الارض المحتلة كما استطاعت
المقاومة التي نشأت في العراق ان تفشل أهداف الاحتلال للعراق واضطرته للانسحاب لينشيء جيشا من المرتزقة التكفيريين باسم الإسلام يكون بديلا عنه في إكمال المخطط بتحطيم الدول التي لم تخضع لإرادته وتصنع مشروع الشرق الأوسط الجديد بتقسيمها إلى دويلات طائفية تحمي به الكيان الصهيوني بإشعال حرب طائفية خبيثة باءت بالفشل لتطل علينا اليوم في لبنان مشاريع تقسيمية تفتقت عنها بعض احلام الحالمين الذين لم يستوعبوا نتائج المغامرات السابقة التي دفعها اللبنانيون من أبنائهم وعمرانهم ومستقبل بلدهم سواء منها بافتعال الحروب أو استجلاب الجيوش الغازية أو الحصار والتجويع واسقاط البلد اقتصاديا وطالت آثارها المدمرة اللبنانيين جميعا ولكنها لم تسقط ارادتهم في التصدي البطولي الذي بانت علائم فشله واضحة لكل ذي لب فهل بقي لمشاريع الفيدرالية والكونفيدرالية والكانتونات الطائفية من أدنى فرصة للتحقق.
اني انصح هؤلاء ان لا يزيدوا من الاعباء التي يعاني منها اللبنانيون بنكات ليست في وقتها وهم في شغل عن الهزال ويحتاجون إلى طرح الافكار الجدية بالعمل على حلول واقعية ببناء دولة المواطنة واصلاح النظام السياسي بعد التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، فالوقت ضيق والحاجة ماسة لعودة المؤسسات الدستورية لخدمة الوطن والمواطن.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
"إِنَّ اللَّهَ يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا ".