• القسم : سيرة النبي والأئمة (ع) .
        • الموضوع : سِيْرَةُ الإِمَامِ مُحَمَّدٍ بنِ عليٍّ البَاقِر (عليه السلام) .

سِيْرَةُ الإِمَامِ مُحَمَّدٍ بنِ عليٍّ البَاقِر (عليه السلام)

وِلادَةُ الإمامِ مُحَمَّدٍ البَاقرِ(ع)

وُلد الإمام الباقر(ع) يوم الجمعة من شهر رجب عام سبعة وخمسين للهجرة، وقيل في الثالث من شهر صفر من نفس العام، فعاش مع جده الإمام الحسين(ع) أربع سنين، ومع أبيه السجاد تسعاً وثلاثين سنة، وكانت مدة أمامته ثماني عشرة سنة.

حُكَّامُ عَصْرِ الإِمَامِ الباقر(ع)

عاصر الإمام الباقر(ع) ملك الوليد بن عبد الملك ، وسليمان بن عبد الملك ، وعمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن عبد الملك ، وهشام بن عبد الملك.

جاء في مناقب ابن شهرآشوب : اسمه محمد ، وكنيته أبو جعفر لا غير ولقبه باقر العلم .

أمه فاطمة أم عبد الله بنت الحسن (ع)ويقال أم عبده بنت الحسن بن علي (ع)ولد بالمدينة يوم الثلاثا وقيل : يوم الجمعة غرة رجب ، وقيل : الثالث من صفر ، سنة سبع وخمسين من الهجرة .

وقبض بها في ذي الحجة ، ويقال : في شهر ربيع الآخر ، سنة أربع عشرة ومائة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، مثل عمر أبيه وجده .

وأقام مع جده الحسين ثلاث سنين أو أربع سنين ، ومع أبيه علي أربعا وثلاثين سنة وعشرة أشهر ، أو تسعا وثلاثين سنة ، وبعد أبيه تسع عشرة سنة ، وقيل : ثمانية عشرة ، وذلك أيام إمامته . وكان في سني إمامته ملك الوليد بن يزيد ، وسليمان ، وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك ، وهشام أخوه ، والوليد بن يزيد ، وإبراهيم أخوه ، وفي أول ملك إبراهيم قبض ، وقال أبو جعفر ابن بابويه : سمه إبراهيم بن الوليد بن يزيد وقبره ببقيع الغرقد .

وَلَدٌ لِهَاشِمِيَّيْن

امتاز الإمام الباقر(ع) بأنه من الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)

قال بن شهراشوب إن الباقر (ع)هاشمي من هاشميين ، وعلوي من علويين وفاطمي من فاطميين لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين (ع)وكانت أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي وكان (ع)أصدق الناس لهجة وأحسنهم بهجة وأبذلهم مهجة .

أُمُّ الإِمَامِ البَاقِرِ(ع)

هي أم عبد الله فاطمة بنت الحسن(ع) وقد كانت من النساء الكريمات الصالحات، فقد روي عن أبي جعفر (ع) قال : كانت أمي قاعدة عند جدار ، فتصدع الجدار ، وسمعنا هدة شديدة فقالت بيدها : لا وحق المصطفى ما أذن الله لك في السقوط ، فبقي معلقا حتى جازته ، فتصدق عنها أبي بمائة دينار وذكرها الصادق (ع) يوما فقال : كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن مثلها .

إِسْمُهُ المُبَارَكُ وَأَلْقَابُهُ الشَّرِيْفَةُ

من أسماء إمامنا محمد بن علي(الباقر) وقد ورد عن عمرو بن شمر قال: سألت جابر الجعفي فقلت له : ولم سمي الباقر باقرا ؟ قال : لأنه بقر العلم بقرا أي شقه شقا وأظهره إظهارا:

وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (ص): يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين (ع)يقال له : محمد ، يبقر علم الدين بقراً فإذا لقيته فأقرأه مني السلام .

وجاء في كتاب كشف الغمة: اسمه محمد ، وكنيته أبو جعفر ، وله ثلاثة ألقاب : باقر العلم ، و الشاكر ، والهادي ، وأشهرها الباقر ، وسمي بذلك لتبقره في العلم ، وهو توسعه فيه .

الإِمَامُ البَاقِرُ(ع) فِيْ ظِلِّ جَدِّهِ وأبِيْهِ(عليهما السلام)

قل لي مَن تعاشِر أقول لك من أنت: كلمة شهيرة يرددها الناس فيما بينهم وهي تعكس واقعاً صحيحاً نعيشه في مجتمعاتنا، والإنسان في الغالب يأخذ عن بيئته، ولقد كانت بيئة الأئمة بيئة رسالية نبوية كريمة لم يشهد تاريخ البشر بيئة أجمل ولا أحسن ولا أعظم منها.

نعم.. لقد عاشر الباقر جده الحسين(ع) في سنوات عمره الأولى فترعرع في أحضان الإمام الثالث وخامس أصحاب الكساء وسيد شباب أهل الجنة فتعلّم منه الكثير ونهل من معين أخلاقه ومزاياه ما لا يمكن عده أو إحصاؤه، وتخلق بأخلاقه التي هي في الواقع أخلاق الرسول الكريم الذي وصفه ربه بقوله(وإنك لعلى خلق عظيم) ولم يُكتب للباقر(ع) أن يستمر أكثر من ذلك مع جده الحسين لأن الشهادة الكبرى يوم عاشوراء قد منعته من ذلك.

وكان الإمام الباقر(ع) من الأطفال الذين حُملوا إلى كربلاء، فلقد كان طفلاً ليس في أذنيه سوى صليل السيوف وصور الأحداث التي كان يرى بعضاً منها ولكنه سرعان ما أدرك الحقيقة بعد فترة وجيزة من الزمن فعاش تلك الصور التي علقت في ذهنه وكأنه كان يومها شاباً.

والإمام الباقر(ع) هو من جملة الذين رووا الأحداث في كربلاء مما علق في ذهنه الشريف، وهو أكبر هاشمي من الذكور الذين بقوا على قيد الحياة بعد أبيه السجاد.

وبعد تلك المأساة التي عايشها الباقر في صغره تولى أبوه الإمام السجاد رعايته وتربيته حيث أعده لتسلّم زمام الخلافة في المستقبل القريب.

لقد عاش الباقر مع أبيه السجاد(ع) ما يقرب من تسعة وثلاثين سنة فلم يفارقه في تلك المدة حتى استشهد الإمام السجاد، وذلك بعد أن تعلّم عنه الكثير مما يُعد سلاحاً لمواجهة الظلم ومتابعة المسيرة.

لقد عاش الإمام الباقر كل معاناة أبيه من جور الحكام الظالمين من بني أمية وغيرهم ولم يسترح آل البيت من الحكم الأموي إلا فترة قصيرة في ظل حكم عمر بن عبد العزيز فقط، ولقد كانت مرحلة الإمام الباقر فاصلة بين مرحلتي الحكم الأموي والحكم المرواني وكلاهما جائر وظالم.

لقد توالى على الحكم في زمن الباقر(ع) حكام كانوا عبيداً للشيطان الرجيم، لا يشبعون من امتصاص الدماء ولا من جمع الثروات ولا من إشباع الشهوات.

وقد كان آخر الذين عاصرهم الباقر(ع) هشام ابن عبد الملك الذين كان أكثرهم شراً ضد أهل البيت(ع).

نَمُوْذَجٌ مِنْ سُلُوْكِ الذِيْنَ عَاصَرَهُم الإمام الباقر(ع)

عبد الملك بن مروان الذي يدعي البعض أنه كان يحاول أن يكون أقل عنفا من أسلافه مع العلويين ، فيقال إنه كتب إلى عامله في الحجاز كتابا جاء فيه : جنبني دماء آل أبي طالب ، فإني رأيت آل حرب لما تهجموا بها لم ينصروا . وإذا صح عنه أنه كان أرفق بالعلويين وشيعتهم من أسلافه ، فذلك لأنه قد أدرك مدى الاستياء الذي خلفته سياسة معاوية وولده يزيد معهم ، وما ترتب عليها من الانتفاضات في مختلف أنحاء الدولة لا سيما وقد ظهر منافسه الجديد - عبد الله بن الزبير - في الحجاز ، واتسعت أطماعه للعراق وغيرها من المناطق ، لكن هذه الظاهرة من عبد الملك لم ترافقه طيلة حكمه ، فما أن تم له القضاء على خصمه ابن الزبير حتى كتب إلى عماله وأمرهم بالشدة والقسوة على شيعة أهل البيت ، وأمر الحجاج بأن يذهب إلى العراق وقال له : احتل لقتلهم فقد بلغني عنهم ما أكره ، وإذا قدمت الكوفة - وهي مركز التشيع - فطأها وطأة يتضاءل لها أهل البصرة .

وراح هذا الطاغية السفاك يراقب تحركات الإمام وتصرفاته ، ويبث العيون لرصد ارتباطاته بالموالين له من الأمة ، واتخذ بعض الإجراءات الوقائية للحد من لقاء جماهير الشيعة بإمامها ؛ لكنه غفل عن أن حب آل رسول الله والولاء لهم إنما هو في ضمير ووجدان محبيهم لا يزيله التضييق والإرهاب والقسوة ، بل ذلك ما يزيده إلا عمقا ورسوخا وصلابة .

وكذا هشام بن عبد الملك ، الذي ورث حقد أسلافه على النبي وآله الأطهار ، إذ ما فتئ يتربص بالإمام الدوائر ويتحين الفرص لأذاه والنيل منه ، والبطش به ، حتى دس للإمام السم المثمل فقتله .

لقد أخذ الباقر من صفات أبيها جلها أو كلها فكان يجمع في شخصيته شخصيتين: شحصية أبيه وشخصيته الذاتية، وسار على خطى آبائه متحملاً الأذى والمشقة في سبيل الدفاع عن الحق واستمرار رسالة السماء التي جاء بها جده الأعظم محمد(ص) من عند ربه هدى للعالمين.

زَوْجَاتُهُ وَأَوْلادُهُ

أشهر زوجاته : أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأم حكيم بنت أسد بن المغيرة الثقفية .

أولاده : خمسة : جعفر ، عبيد الله ، إبراهيم ، عبد الله المحض ، وعلي ، اما البنات ، فهن : زينب ، وأم سلمة ، من أمهات شتى وهم :

أ - الإمام جعفر الصادق وشقيقه عبيد الله ، وأمهما أم فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بكر .

ب - إبراهيم ، وشقيقه عبد الله المحض ، وأمهما أم حكيم الثقفية .

ج - علي ، وشقيقته زينب ، أمهما أم ولد .

د - أم سلمة ، أمها أم ولد .

مَنَاقِبُ الإِمَامِ البَاقِرِ(ع)

أمالي الصدوق : ابن الوليد ، عن الحميري ، عن ابن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن الصادق جعفر بن محمد (ع)قال : إن رسول الله (ص)قال ذات يوم لجابر بن عبد الله الأنصاري : يا جابر إنك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف في التوراة بالباقر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام فدخل جابر إلى علي بن الحسين (ع)فوجد محمد بن علي (ع)عنده غلاما فقال له : يا غلام أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر :فقال جابر : شمايل رسول الله (ص)ورب الكعبة ، ثم أقبل على علي بن الحسين فقال له : من هذا ؟ قال : هذا ابني وصاحب الامر بعدي : محمد الباقر ، فقام جابر فوقع على قدميه يقبلهما ويقول : نفسي لنفسك الفداء يا ابن رسول الله ، اقبل سلام أبيك ، إن رسول الله (ص)يقرأ عليك السلام ، قال : فدمعت عينا أبي جعفر (ع)ثم قال : يا جابر على أبي رسول الله السلام ما دامت السماوات والأرض وعليك يا جابر بما بلغت السلام .

وروي عن أبي عبد الله (ع)قال : إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (ص)وكان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت فكان يقعد في مسجد الرسول معتجرا بعمامة ، وكان يقول : يا باقر يا باقر ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لا والله لا أهجر ولكني سمعت رسول الله (ص)يقول : إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا فذلك الذي دعاني إلى ما أقول ، قال : فبينما جابر ذات يوم يتردد في بعض طرق المدينة إذ مر محمد بن علي (ع)فلما نظر إليه قال : يا غلام أقبل فأقبل فقال : أدبر فأدبر ، فقال : شمائل رسول الله (ص)والذي نفس جابر بيده ما اسمك يا غلام ؟ قال محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقبل رأسه ثم قال : بأبي أنت وأمي ، أبوك رسول الله يقرئك السلام فقال : وعلى رسول الله (ص)السلام فرجع محمد إلى أبيه وهو ذعر فأخبره بالخبر فقال : يا بني قد فعلها جابر ؟ قال : نعم ، قال : يا بني الزم بيتك ، فكان جابر يأتيه طرفي النهار فكان أهل المدينة يقولون : واعجبا لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار ، وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله (ص)فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين ، فكان محمد بن علي يأتيه على الكرامة لصحبته لرسول الله (ص)قال : فجلس الباقر يحدثهم عن الله فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا قط أجرأ من ذا ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله (ص)فقال أهل المدينة : ما رأينا قط أحدا أكذب من هذا يحدث عمن لم يره ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه ، وكان والله جابر يأتيه فيتعلم منه .

وعن هشام ابن سالم قال : قال لي أبو عبد الله (ع): إن لأبي مناقب ليست لاحد من آبائي إن رسول الله (ص)قال لجابر بن عبد الله : إنك تدرك محمدا ابني فاقرأه مني السلام فأتى جابر علي بن الحسين (ع)فطلبه منه ، فقال : نرسل إليه فندعوه لك من الكتاب ، فقال : أذهب إليه فأتاه فأقرأه السلام من رسول الله وقبل رأسه والتزمه فقال : وعلى جدي السلام ، وعليك يا جابر ، قال : فسأله جابر أن يضمن له الشفاعة يوم القيامة ، فقال له : أفعل ذلك يا جابر .

النَّصُّ علَيْهِ بِالإِمَامَةِ

عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده قال : التفت علي بن الحسين إلى ولده وهو في الموت وهم مجتمعون عنده ، ثم التفت إلى محمد بن علي ابنه ، فقال : يا محمد هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك ثم قال : أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنه كان مملوءا علما .

وعن جعفر بن محمد (ع)قال : لما حضر علي بن الحسين (ع)الموت ، قبل ذلك أخرج السفط أو الصندوق عنده فقال : يا محمد احمل هذا الصندوق ، قال فحمل بين أربعة [ رجال ] فلما توفي جاء إخوته يدعون في الصندوق ، فقالوا : أعطنا نصيبنا من الصندوق فقال : والله ما لكم فيه شئ ، ولو كان لكم فيه شئ ما دفعه إلي ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه .

وعن عثمان بن عثمان بن خالد ، عن أبيه قال : مرض علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)في مرضه الذي توفي فيه ، فجمع أولاده محمدا والحسن وعبد الله وعمر وزيدا والحسين ، وأوصى إلى ابنه محمد بن علي ، وكناه الباقر ، وجعل أمرهم إليه ، وكان فيما وعظه في وصيته أن قال : يا بني إن العقل رائد الروح والعلم رائد العقل ، والعقل ترجمان العلم ، واعلم أن العلم أبقى ، و اللسان أكثر هذرا .واعلم يا بني أن صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين إصلاح شأن المعايش ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل لان الانسان لا يتغافل إلا عن شئ قد عرفه ففطن له ، واعلم أن الساعات تذهب عمرك ، وأنك لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى ، فإياك والأمل الطويل ، فكم من مؤمل أملا لا يبلغه وجامع مال لا يأكله ومانع مأسوف يتركه ، ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه ، أصابه حراما وورثه ، احتمل إصره ، وباء بوزره ، ذلك هو الخسران المبين .

مَكَارِمُ أَخْلاقِهِ وبَعْضُ كَرَامَاتِه(ع)

عن أبي عبد الله أن أبا جعفر مات وترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم عند موته

وعن عبد الله بن عطاء المكي قال : ما رأيت العلماء عند أحط قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه ، وكان جابر بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن علي شيئا قال : حدثني وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، محمد بن علي بن الحسين .

وعن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله قال : إن محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضل علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمد بن علي ، فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له أصحابه : بأي شئ وعظك ؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي وكان رجلا بدينا وهو متك على غلامين له أسودين أو موليين ، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا ، اشهد لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فسلم علي ببهر قد تصبب عرقا ، فقلت أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال ، قال فخلى عن الغلامين من يده ، ثم تساند وقال : لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله تعالى أكف بها نفسي عنك وعن الناس ، وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله ، فقلت : يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني .

روى أبو بصير ، عن أبي جعفر (ع)قال لرجل من أهل خراسان : كيف أبوك ؟ قال : صالح ، قال : قد مات أبوك بعد ما خرجت حيث سرت إلى جرجان ، ثم قال : كيف أخوك ؟ قال : تركته صالحا قال : قد قتله جار له يقال له صالح يوم كذا في ساعة كذا ، فبكى الرجل وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون بما أصبت ، فقال أبو جعفر (ع): أسكن فقد صاروا إلى الجنة والجنة خير لهم مما كانوا فيه فقال له الرجل : إني خلفت ابني وجعا شديد الوجع ولم تسألني عنه قال : قد برأ وقد زوجه عمه ابنته وأنت تقدم عليه وقد ولد له غلام واسمه علي وهو لنا شيعة وأما ابنك فليس لنا شيعة بل هو لنا عدو ، فقال له الرجل : فهل من حيلة ؟ قال : إنه عدو وهو وقيد ، قلت : من هذا ؟ قال : رجل من أهل خرسان وهو لنا شيعة وهو مؤمن .

روي عن أبي بصير قال : كنت مع الباقر (ع)في مسجد رسول - الله (ص)قاعدا حدثان ما مات علي بن الحسين (ع)إذ دخل الدوانيقي وداود بن سليمان قبل أن أفضى الملك إلى ولد العباس ، وما قعد إلى الباقر إلا داود فقال الباقر (ع): ما منع الدوانيقي أن يأتي ؟ قال : فيه جفاء ، قال الباقر (ع): لا تذهب الأيام حتى يلي أمر هذا الخلق ويطأ أعناق الرجال ، ويملك شرقها وغربها ويطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجتمع لاحد قبله ، فقام داود وأخبر الدوانيقي بذلك فأقبل إليه الدوانيقي وقال : ما منعني من الجلوس إليك إلا إجلالك فما الذي خبرني به داود ؟ فقال : هو كائن ، قال : وملكنا قبل ملككم ؟ قال : نعم : قال : يملك بعدي أحد من ولدي ؟ قال : نعم ، قال : فمدة بني أمية أكثر أم مدتنا ؟ قال : مدتكم أطول وليتلقفن هذا الملك صبيانكم ويلعبون به كما يلعبون بالكرة ، هذا ما عهده إلي أبي ، فلما ملك الدوانيقي تعجب من قول الباقر (ع).

وعن عبد الله بن العلا عن الصادق (ع)قال : كنت مع أبي وبيننا قوم من الأنصار إذ أتاه آت ، فقال له : الحق فقد احترقت دارك ، فقال : يا بني ما احترقت ، فذهب ثم لم يلبث أن عاد فقال : قد والله احترقت دارك ، فقال : يا بني والله ما احترقت ، فذهب ثم لم يلبث أن عاد ومعه جماعة من أهلنا وموالينا يبكون ويقولون قد احترقت دارك ، فقال : كلا والله ما احترقت ولا كذبت ولا كذبت وأنا أوثق بما في يدي منكم ومما أبصرت أعينكم ، وقام أبي وقمت معه حتى انتهوا إلى منازلنا والنار مشتعلة عن أيمان منازلنا ، وعن شمائلها ومن كل جانب منها ، ثم عدل إلى المسجد فخر ساجدا ، وقال في سجوده : وعزتك وجلالك لا رفعت رأسي من سجودي أو تطفيها قال : فوالله ما رفع رأسه حتى طفئت واحترق ما حولها وسلمت منازلنا ، ثم ذكر عليه السلام أن ذلك لدعاء كان قرأه (ع).

أَصْحَابُ الإمام الباقر

لقد بلغ أصحاب الإمام أبي جعفر الباقر (ع)وتلاميذه ما يربو على الخمسمائة رجل في شتى العلوم والفنون ، لا سيما التفسير والفقه ، والأصول ، والعقائد ، فيهم الفقهاء ، والعلماء ، وفيهم غير ذلك ومنهم الثقاة المخلصون ، الذين حفظوا لنا الدين والأحاديث التي سمعوها ووعوها وبلغوها ، ومنهم من عاصر الإمام السجاد ، والإمام الباقر ، والإمام الصادق (ع)، وبعضهم من عاصر الإمام الكاظم (ع)،

أمثال أبان بن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وحمران بن أعين ، وزرارة ابن أعين ، وأبي بصير ليث البختري المرادي ، ومعروف بن خربوذ ، وجابر الجعفي ، وبريد بن معاوية العجلي ، وسدير الصيرفي وغيرهم ممن أثنى عليهم الأئمة الأطهار (ع)، وسنترجم عن حياة بعضهم إنشاء الله .

وهذه ثلاث روايات جليلة في مدح بعضهم عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع)وإليك واحدة منها على سبيل المثال .

في الإختصاص ذكر العلامة الشيخ المفيد ، صححه سلمان بن خالد الأقطع ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق (ع)يقول : ما أجد أحدا أحيا ذكرنا ، وأحاديث أبي إلا زرارة [ بن أعين ] ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ما كان أحدا يستنبط هذا ، هؤلاء حفاظ الدين ، وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السابقون الينا في الدنيا ، والسابقون في الآخرة . . . انتهى الحديث .

وفي الرواية الثانية ؛ ما صححه جميل بن دراج ، قال (ع): بشر المخبتين بالجنة ، الخ بعد ذكر أسماء المذكورين في الحديث الأول . . . أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست .

وفي الرواية الثالثة : ما صححه البقباق ، قال (ع)أربعة أحب الناس إلى احياء وأمواتا ، وذكر أسمائهم الأربعة - المذكورين في الحديث الأول .

وهناك من تتلمذ على الإمام أبي جعفر الباقر (ع)، بعضهم ثقات إلا أنهم أخطأوا جادة الصواب وانحرفوا عن خط أهل البيت (ع).

مِنْ أَصْحَابِ الإمَامَيْن البَاقِر والصَّادِق(ع)

أبان بن تغلب بن رباح - أبو بصير الأسدي - إبراهيم بن نعيم العبدي - أبو حمزة الثمالي - أسلم القواس المكي - إسماعيل بن الفضل بن يعقوب الهاشمي - إسماعيل بن عبد الرحمن - أيوب السختياني العنزي البصري - بريد بن معاوية العجلي - بكير بن أعين الشيباني الكوفي

11 - ثوير بن أبي فاخته سعيد بن علاقة - جابر بن عبد الله الأنصاري " الخزرجي " - جابر بن يزيد الجعفي - حبابة الوالبية - حبيب بن أبي ثابت قيس - حذيفة بن منصور بن كثير - حمران بن أعين الشيباني - زرارة بن أعين الشيباني - زياد بن عيسى - أبو عبيدة الحذاء - سالم الأشل بياع المصاحف - سدير الصيرفي - سديف المكي - سلام بن المستنير الجعفي الكوفي - عبد الله بن أبي يعفور - عبد الله بن غالب - فضيل بن عثمان المرادي - فضيل بن يسار النهدي - كميت بن زيد الأسدي - ليث البختري - محمد بن مسلم بن رباح - معروف بن خربوذ المكي - الكرخي

مُواجَهَةٌ عَنيفَة

ففي أحد الأعوام جاء هشام إلى الحج وكان الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام) ضمن الحجاج، فخطب الإمام الصادق يوماً في الحجيج قائلاً: « الحمد لله الذي بعث محمداً (ص) بالحق وشرفنا به، فنحن الذين اصطفانا الله من بين خلقه ونحن خلفاء الله {في الأرض}، وقد افلح من اتبعنا وخاب من خالفنا ونصب لنا العداوة ».

يقول الإمام الصادق (ع) فيما بعد: فنقلوا قولي لهشام ولكنه لم يتعرض لنا بسوء حتى عاد إلى دمشق وعدنا إلى المدينة، فأوعز إلى واليه في المدينة ان يرسلنا انا وأبي إلى دمشق.

فلما وصلنا اليها لم يأذن لنا هشام بالدخول عليه ثلاثة أيام، حتى إذا كان اليوم الرابع دخلنا عليه وهو جالس على عرشه وأصحاب بلاطه مشغولون إمامه بالرمي وأصابة الأهداف.

فنادى هشام والدي باسمه قائلاً له: ساهم في الرماية مع كبار قبيلتك.

فقال والدي: لقد أصبحت شيخاً طاعناً في السن، وانتهى زمان الرماية بالنسبة الي فاعذرني.

فأصر هشام وأقسم عليه إلاّ ان يفعل، وأمر شيخاً من بني أمية ان يناوله قوسه، فتناول والدي القوس منه ووضع فيه سهماً واطلقه فأصاب عين الهدف، ووضع السهم الثاني فيه واطلقه فغرسه في السهم الأول وشقه إلى نصفين، وهكذا فعل في الثالث حيث غرسه في الثاني، والرابع في الثالث، والتاسع في الثامن، فارتفعت اصوات الحاضرين، واضطرب هشام وصاح:

أحسنت يا أبا جعفر ! انك خير رماة العرب والعجم فكيف تتصور ان زمان الرماية قد انقضى عنك... وفي نفس ذلك الوقت اتخذ قراراً بقتل والدي فأطرق يفكر ونحن وقوف إمامه، فطال وقت الوقوف، ولذلك فقد استولى الغضب على والدي، وكان اذا أُغضب نظر إلى السماء وبدا الغضب واضحاً على محياه الشريف، فأدرك هشام غضبه ودعانا إلى الجلوس معه ونهض من مكانه واحتضن والدي وأجلسه على يمينه ثم عانقنيى وأجلسني على يمين والدي وراح يتحدث مع والدي قائلاً:

« ان قريشاً لتفتخر بك على العرب والعجم، سلمت يدك، ممن تعلمت هذه الرماية وكم أنفقت من وقت في تعلمها ؟ فأجاب والدي: أنت تعلم ان أهل المدينة يمارسون الرماية وقد مارستها في فترة أثناء شبابي ثم هجرتها حتى طلبتها مني الآن.

فقال هشام: منذ عرفت نفسي ولحد الآن لم أر ماهراً في الرماية بهذه الرقة والجودة ولا أظن ان أحداً على وجه الأرض يتقنها أفضل منك، فهل ابنك جعفر يتقن الرماية كما تتقنها أنت ؟

قال: اننا نرث «الكمال » و «التمام » كما انزلهما الله على نبيه» (ص) حيث قال تعالى:

(اَلْيَوْمَ اَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلامَ دِيناً) فالأرض لا تخلو ممن يستطيع النهوض بمثل هذه الأعمال بصورة كاملة.

وبسماع هذه الجمل جحظت عينا هشام واحمرّ وجهه من الغضب واطرق قليلاً ثم رفع رأسه وقال: ألسنا نحن وإياكم من أبناء « عبد مناف »، فنحن متساوون في النسبة إليه ؟ فقال الإمام: أجل لكن الله سبحانه اختصنا بميزات لم يمنحها للآخرين.

فسأل هشام:

« ألم يبعث الله النبي من أبناء عبد مناف لكل الناس أجمعين من أبيض واسود وأحمر ؟ فمن أين ورثتم هذا العلم بينما لن يأتي نبي بعد نبي الإسلام ، وانتم أيضاً لستم أنبياء ؟ فأجابه الإمام (ع): لقد خاطب الله النبي (ص) في القرآن الكريم بقوله: (لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، اِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنهُ ، فَاذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنهُ)

فالنبي (ص) الذي تصرح الآية بان لسانه تابع لله قد اختصنا بميزات لم يمنحها للآخرين، ومن هنا فقد أودع عند أخيه علي (ع) أسراراً لم يكشفها للآخرين، ويقول الباري جلّت آلاؤه في هذا المجال: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)

وقال النبي (ص) لعلي (ع): «لقد طَلبتُ مِن الله ان يجعلها اذنك » .

وقال علي بن أبي طالب (ع) في الكوفة:

«لقد فتح لي رسول الله (ص) ألف باب من العلم يفتح من كل باب منها ألف باب آخر ».

وكما ان الله تعالى اختص النبي (ص) بكمالات معينة فان أيضاً اصطفى علياً وعلّمه اموراً لم يعلّمها الآخرين، وعلمنا مكتسب من ذلك المنبع الفيّاض، ونحن وحدنا الذين ورثنا ذلك دون غيرنا.

فقال هشام: ان علياً يدعي العلم بالغيب بينما الله لم يطلع أحداً على الغيب.

فأجاب والدي:

لقد انزل الله كتاباً على نبيه (ص) بيّن فيه كل شيء مما يتعلق بالماضي والمستقبل إلى يوم البعث، فهو عزَّوجلّ يقول في ذلك الكتاب: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شيْء) وفي آية اخرى يقول تعالى: (وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْنَاهُ فِي إمَام مُبِين)

ويقول أيضاً: (ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء)

وقد أمر الله سبحانه نبيه الكريم (ص) أن يُعَلّم علياً (ع) أسرار القرآن كلها، وقد قال النبي (ص) للامة: « عَليٌ أقضاكُم ».

فبقي هشام صامتا... وغادر الإمام (ع) مجلسه.

شَهَادَةُ الإمام الباقر(ع)

وأدخل الإمام(ع) سجن هشام بن عبد الملك الأموي في عاصمة ملكه دمشق ظانين ومتوهمين أنهم يستطيعون بذلك إيقاف تأثير الإمام (ع)في الأمة المسلمة ، وحجبه عن أداء دوره الرسالي العظيم، فأثّر على من التقى بهم في السجن فأطلقوا سراحه، وعندما لم يصلوا إلى أهدافهم من خلال سجنه أو تعذيبه أو تهديده عمدوا إلى وضع السم له فقتلوه مسموماً وكان ذلك في السابع من شهر ذي الحجة عام 114 للهجرة.

وروي عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (ع)قال : كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول الله (ص)ويقول أنا من ولد الحسن ، وأولى بذلك منك ، لأني من ولد الأكبر ، فقاسمني ميراث رسول الله (ص)وادفعه إلى فأبى أبي فخاصمه إلى القاضي ، فكان زيد معه إلى القاضي ، فبينما هم كذلك ذات يوم في خصومتهم ، إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن على : اسكت يا ابن السندية فقال زيد بن علي : أف لخصومة تذكر فيها الأمهات ، والله لا كلمتك بالفصيح من رأسي أبدا حتى أموت ، وانصرف إلى أبي فقال : يا أخي إني حلفت بيمين ثقة بك ، وعلمت أنك لا تكرهني ولا تخيبني ، حلفت أن لا أكلم زيد بن الحسن ولا أخاصمه ، وذكر ما كان بينهما فأعفاه أبي واغتنمها زيد بن الحسن فقال : يلي خصومتي محمد بن على فأعتبه وأؤذيه فيعتدي على ، فعدا على أبي فقال : بيني وبينك القاضي . .

ثم دار بينهما ما دار . فحلف زيد أن لا يعرض لأبي ولا يخاصمه ، فانصرف وخرج زيد من يومه إلى عبد الملك بن مروان فدخل عليه وقال : أتيتك من عند ساحر كذاب لا يحل لك تركه ، وقص عليه ما رأى ، وكتب عبد الملك إلى عامل المدينة ، أن ابعث إلى محمد بن علي مقيدا وقال لزيد : أرأيتك إن وليتك قتله قتلته ؟ قال : نعم .

قال : فلما انتهى الكتاب إلى العامل أجاب عبد الملك : ليس كتابي هذا خلافا عليك يا أمير المؤمنين ، ولا أرد أمرك ، ولكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك ، وشفقة عليك ، وإن الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعف منه ولا أزهد ولا أورع منه ، وإنه ليقرء في محرابه ، فيجتمع الطير والسباع تعجبا لصوته وإن قراءته كشبه مزامير داود ، وإنه من أعلم الناس ، وأرق الناس وأشد الناس اجتهادا وعبادة ، وكرهت لأمير المؤمنين التعرض له فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

فلما ورد الكتاب على هشام ، سر بما أنهى إليه الوالي وعلم أنه قد نصحه فدعا بزيد بن الحسن فأقرأه الكتاب ، فقال : أعطاه وأرضاه ، فقال عبد الملك : فهل تعرف أمرا غير هذا ؟ قال : نعم عنده سلاح رسول الله (ص)وسيفه ، ودرعه ، وخاتمه ، وعصاه ، وتركته ، فاكتب إليه فيه ، فإن هو لم يبعث به فقد وجدت إلى قتله سبيلا .

فكتب هشام عبد الملك إلى العامل أن احمل إلى أبي جعفر محمد بن على ألف ألف درهم ، وليعطك ما عنده من ميراث رسول الله (ص): فأتى العامل منزل أبي فأقرأه الكتاب فقال : أجلني أياما قال : نعم ، فهيأ أبي متاعا ثم حمله ودفعه إلى العامل ، فبعث به إلى هشام عبد الملك ، وسر به سرورا شديدا فأرسل إلى زيد ، فعرض عليه ، فقال زيد : والله ما بعث إليك من متاع رسول الله (ص)قليلا ولا كثيرا ، فكتب هشام عبد الملك إلى أبي ، إنك أخذت مالنا ، ولم ترسل الينا بما طلبنا .

فكتب إليه أبي : إني قد بعثت إليك بما قد رأيت فإن شئت كان ما طلبت ، وإن شئت لم يكن ، فصدقه هشام عبد الملك ، وجمع أهل الشام وقال : هذا متاع رسول الله (ص)قد أتيت به ، ثم أخذ زيدا وقيده وبعث به ، وقال له : لولا أني أريد لا أبتلي بدم أحد منكم لقتلتك ، وكتب إلى أبي بعثت إليك بابن عمك فأحسن أدبه ، وأوصلك سرج هدية مني إليك ، فلما أتى به قال أبي : ويحك يا زيد ما أعظم ما تأتي به ، وما يجري على يديك ، والله إني لأعرف الشجرة التي نحت [ السرج ] منها ، ولكن هكذا قدر فويل لمن أجرى الله على يديه الشر .

فأسرج له فركب أبي السرج ونزل متورما فأمر بأكفان له ، وكان فيه ثياب أبيض أحرم فيه وقال : اجعلوه في أكفاني ، وعاش ثلاثا ، ثم مضى (ع) لسبيله وذلك السرج عند آل محمد معلق ، ثم إن زيد بن الحسن بقي بعده أياما فعرض له داء فلم يزل يتخبط ويهوي ، حتى مات .

لقد سقي الإمام باقر العلوم السم واستشهد في السابع من ذي الحجة الحرام عام 114 هجري، وكان عمره عندئذ سبعة وخمسين عاماً وذلك في عصر الحاكم الأموي الجائر «هشام بن عبد الملك ».

وفي ليلة وفاته قال للإمام الصادق (عليه السلام):

« هذه الليلة سوف أرحل من هذه الدنيا، فقد رأيت والدي وهو يحمل إلي شراباً عذباً فتناولته فبشّرني بدار الخلود ولقاء الحق ».

وفي اليوم التالي وري الجسد الطاهر لذلك البحر الزاخر بالعلم الالهي في ثرى البقيع إلى جوار قبر الإمام الحسن وقبر الإمام السجاد (عليه السلام)، صلوات الله وسلامه عليه.

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2023/05/31  | |  القرّاء : 1343



البحث :

جديد الموقع :


 العلامة الخطيب يستقبل وفد قيادة اقليم حركة أمل في بيروت ورئيس الجامعة الإسلامية البروفيسور حسن اللقيس ورئيس صندوق الزكاة
 العلامة الخطيب يستقبل رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني المحامي كمال حديد،على رأس وفد من المؤتمر
 اجتماع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بهيئتيه الشرعية والتنفيذية.
 العلامة الخطيب يستقبل وفد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
 العلامة الخطيب يستقبل منسقة الخاصة للأمم المتحدة يوانا فرونتسكا
 العلامة الخطيب يستقبل الشيخ زياد الصاحب.
 العلامة الخطيب يستقبل رئيس الاتحاد العمالي العام د. بشارة الأسمر على رأس وفد
 العلامة الخطيب يستقبل وفد حركة الجهاد الإسلامي
 العلامة الخطيب التقى المراجع الدينية وكبار العلماء في النجف ويعود مساء الى بيروت
 العلامة الخطيب يلتقي رئيس مجلس الوزراء العراقي ورئيس مجلس النواب ورؤساء الحكومات السابقين وعدداً من الفاعليات العراقية

مواضيع متنوعة :


 كلمة نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب في معهد الامام الصادق للعلوم القرآنية في الغازية
 نبذة عن حياة الإمام شمس الدين
 سِيْرَةُ الإِمَامِ مُحَمَّدٍ الجَوَاد (عليه السلام)
 سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب يستقبل وفد تجمع العلماء المسلمين.
 تردد إذاعة البصائر
 الأحداث السنوية.. في مسيرة الامام الصدر
 سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب يستقبل النائب والوزير السابق ميشال فرعون
 في ذكرى ولادة الإمام الرضا (ع): موقع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بحلته الجديدة
 كلمة العلامة الخطيب خلال المؤتمر الدولي العلمي الثاني تحت عنوان "الآفاق المسـتقبلية لأتباع أهـل البيـت" في بغداد
 العلامة الخطيب يلتقي رئيس مجلس الوزراء العراقي ورئيس مجلس النواب ورؤساء الحكومات السابقين وعدداً من الفاعليات العراقية

إحصاءات :

  • الأقسام : 21
  • المواضيع : 65
  • التصفحات : 145968
  • التاريخ : 28/03/2024 - 16:19
 
 
الموقع بإشراف : مركز الدراسات والتوثيق © في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى - لبنان
تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة © Anwar5.Net