
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس في طريق المطار وألقى خطبة الجمعة التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين واصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ورد في نهج البلاغة عن الإمام علي (عليه السلام) تأكيد كبير على أهمية "الاتعاظ" (أخذ العبرة والتعلم من التجارب) وغفلة الناس عنه وهي تأتي في التنبّه للأمور التي يترتّب عليها نتائج أكثر خطورة اذا فاتته لن يتمكن من جبرانها والتعويض عنها، وهي الامور التي يترتّب عليها مصيره الاخروي التي هي إما نعيم دائم أو عذاب مقيم والعياذ بالله، فلا شكّ أن المصير الاخروي ربحاً أو خسارةً هو الأهم من كل ربح او خسارة تحصل في هذه الحياة، فما الفائدة لو ربح الانسان الدنيا وخسر الاخرة؟ وما الضرر فيما لو خسر الدنيا ولكنه ربح الاخرة؟ فالعبرة بالنتائج لأن الربح والخسارة الدنيوية زائلة، فالدنيا متصرّمة ولا دوام فيها لألم ولا بقاء فيها لراحة.
ولذلك صحّ ان تجارب الحياة كلّها عِبَرٌ للإنسان لأنها زائلة وغير دائمة، فلا يُفرّط في الاخرة، وليكن عمله لما يدوم لا لما ينتهي ويزول، وحقّاً لو لم يكن هناك آخرة لما كان للحياة قيمة أو معنى، فعن علي (عليه السلام): "الدنيا لا تصفوا لشارب ولا تفي لصاحب وانه قد خلط صفوها بكدرها.
وقد حذّر (ع) من الغفلة والإعراض عن المواعظ والعبر الموجودة في الحياة، وشدّد على أهمية النظر إلى الأموات والاعتبار بمصائرهم لأنه الأخطر والاهم.
قال (ع):
• "أوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه، وكيف غفلتكم عما ليس يغفلكم، وطمعكم فيمن ليس يمهلكم".
• وقال: كفى بالموت واعظاً، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، وأن تؤديه أيامه إلى الشقوة".
فمن الطبيعي أن تكون الحسرة والندامة هي مآل من ضَيَّع ولم يعتبر والنتيجة هي الخسران المبين.
وعن السبب في هذا التضييع وعدم الاتعاظ هو الغفلة والانشغال بالدنيا عن الآخرة والاغترار بها وعدم أخذه هذا المصير بالحسبان.
• قال (ع): "بينكم وبين الموعظة حجاب من الغفلة والغرة".
• وفي كلام آخر له (المغرور من غرته).
• "إن العاقل نصفه احتمال، ونصفه تغافل" .
ولذلك يقول مُحذّراً من نتائج هذا التغافل فيأتيه أجله ويفوت عليه فرصة العود والتوبة:
• "ألا مستيقظ من غفلته قبل نفاد مدته؟!"
• "إن من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد"
ولذلك فإن "الاعتبار منذر ناصح، من تفكّر اعتبر".
وكما ان هذه العوامل تمنع الناس عن الاعتبار بالتجارب لتذكّر الآخرة من الغفلة والغرور، كذلك تمنعهم أيضاً من الاعتبار حتى للدنيا اذا ما اضفنا لها عوامل الحقد والكراهية والاعتداد بالقوة وحب التغلّب والانتقام التي تصمّ الآذان وتعمي القلوب عن إدراك الحقائق والانصياع لصوت العقل، كما عليه حال البعض من بعض القوى في مجتمعاتنا التي يضيق أُفقها عن إدراك الحقائق والمصالح العامة، منطلقة من المصالح الآنية والذاتية والمحدودة فتضيع الطريق وتختلط عليها المفاهيم، فلا تُميّز بين الصديق والعدو، وبين أن تكون السلطة في خدمة الدولة او الدولة في خدمة السلطة، وان تكون السلطة اداة تستخدمها الدولة لتحقيق مصالحها، أو سلطة تستخدم الدولة لتنفيذ سياسات دول معادية او معتدية، كما نرى السلطة اليوم في لبنان، التي لا ترى مشكلة فيه الا المقاومة وسلاحها، بينما تتغافل عن مشكلة الاحتلال والعدوان الصهيوني المستمر على سيادة لبنان وشعبه وتطبيق القرار الدولي ١٧٠١ الذي ألزم العدو بالانسحاب من الاراضي المحتلة ونشر الجيش اللبناني على الحدود المعترف بها دولياً ووقف العدوان وإعادة الاعمار.
تتغافل عن كل ذلك وتتجاوزه الى افتعال مشكلة مع أهل الجنوب والتضييق على أبناء طائفة بأمها وابيها، وافتعال مشكلة مع المسافرين من أبنائها، مستخدمة التعمية في محاولة تبرير ذلك، بأن الامر ينسحب على جميع القادمين عبر مطار بيروت، بينما الامر يقتصر على ابناء الطائفة دون سواهم، ثم يقال بشكل صريح ان الاعمار مربوط بنزع السلاح، فمصالح من تحققون وأوامر من تنفذون؟؟ وعن أي ميليشيات تتحدثون حينما تتحدثون عن انجازاتكم بسحب سلاحها؟؟.
فللذين لا يفقهون التمييز بين الميليشيا والمقاومة أو يقولونها كما هو الصحيح إرضاءً لأسيادهم، هل سيصدق أسيادكم ان هذا إنجاز لكم؟؟ ام انهم يعلمون انكم أعجز عن تحقيق ذلك؟ إنما المقاومة أرادت الاستجابة لإرادة الشعب اللبناني وتجنيب اللبنانيين ويلات الحرب، فلا تعطوا انفسكم بطولات لستم أهلا لهاً.
نحن ندعوكم الى التواضع بدلاً عن هذه الادعاءات الفارغة وعدم استخدام ما قدَّمته المقاومة طوعاً للدولة اللبنانية، وليس هذا إنجازاً للسلطة التي تمثّلونها للأسف وبهذه الذهنية.
صحّحوا سياساتكم المسيئة لكم قبل أن تُسيء للشعب وللدولة، وليرى الشعب اللبناني إنجازاً حقيقياً لصالحه على الصعيد الاقتصادي وتحرير الارض وإعادة الاعمار، ولا تُغَطّوا على عجزكم ببطولات فارغة، وليكن خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية خارطة الطريق للحل. فالسلم الذي تنشدون، والإستقرار الذي تطلبون، لا يتحقّق بالفرض والكسر والعزل، بل بالحوار الهادئ والتفاعل البنّاء، ولكم في تاريخ هذا البلد عبرة لمن يريد أن يعتبر..
والسلام على من اتبع الهدى.