• القسم : سيرة النبي والأئمة (ع) .
        • الموضوع : سِيْرَةُ الإِمَامِ الحَسَنِ العَسْكَرِي (عليه السلام) .

سِيْرَةُ الإِمَامِ الحَسَنِ العَسْكَرِي (عليه السلام)

الإِمَامُ الحِسَنُ العَسْكَري(ع)

و هو الإمام الحادي عشر وقد ولد في سنة (232) هجريّة في مدينة « سامرّاء ». ووالده الكريم هو الإمام العاشر الهادي (ع)، وامّه الجليلة هي السّيّدة التّقيّة الكريمة « حُديثة » وتُسّمّى أيضاً بـ « سوسن ».

وكان الإمام يسكن فيى مدينة سامرّاء في محلّه تُسمّى بـ « العسكر »، ولهذا فقد اشتهر بـ « العسكريّ »، وأشهر القابه الأخرى « الزكيّ » و « النقّي »، وكنيته «أبو محمّد ».

وقد بلغ عمره (22) عاماً حينما استشهد الإمام العاشر ، وامتدّت فترة امامته بعد والده ستّ سنوات، ومجموع عمره الشّريف هو (28) عاماً، واستشهد وهو في هذا العمر سنة (260) هجريّة، وله ولد واحد هو آخر امام من الأئمّة الاثني عشر وهو صاحب الزّمان الحجّة بن الحسن المهدي.

وقد عاصر الإمام الحادي عشر (ع) خلال حياته خلافة ستّة من الخلفاء العبّاسيّين وهم: المتوكّل والمنتصر والمستعين والمعتزّ والمهتدي والمعتمد، وأخيراً استشهد الإمام في زمان المعتمد.

إِمَامَةُ الإمام العسكريّ(ع)

عن أبو هاشم الجعفري، وهو من اكبر رواة الشّيعة الموثّقين ومن أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) المقرّبين:

سمعت أبا الحسن صاحب العسكر يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن...

وعن الصقر بن أبي دلف: « سمعت الإمام الهادي يقول: « ان الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً »

وعن يحيى بن يسار القنبري:

« اوصى أبو الحسن (الإمام الهادي): إلى ابنه الحسن قبل مضيّ وفاته باربعة أشهر واشار إليه بالأمر (الإمامة والخلافة) من بعده، واشهرني على ذلك وجماعة من الموالي »

حُكومَةُ العَبَّاسِيين

لقد عاصر الإمام خلال فترة إمامته القصيرةالبالغة ستّ سنوات) حكومة ثلاثة خلفائهم، هم: المعتزّ والمهتدي والمعتمد.

فالمعتزّ العبّاسي حلّ محلّ ابن عمّه المستعين، واستشهد الإمام الهادي (ع) أثناء حكم المعتزّ، واستشهد أو سُمّ مجموعة من العلويّين أيضاً في ظلّ خلافة هذا الخليفة الظّالم. وفي احدى المرّات ألقى المعتزّ بأخيه المؤيّد إلى غياهب السّجن وأمر بضربه أربعين سوطاً، ولم يطلق سراحه من السّجن حتّى خلع نفسه من ولاية العهد، ومرّة أخرى أدخله السّجن ولمّا سمع انّ فريقاً من الأتراك يخطّط لانقاذ المؤيّد من السّجن فقد أمر بقتله، وبناءً على ذلك فقد لُفّ في لحاف مسموم وأُغلق طرفاه حتّى لَفَظَ انفاسه، وعندئذ استدعوا الفقهاء والقضاة التّابعين للبلاط إلى مشاهدة جسده ليتعرّفوا على انّه ليس فيه أثر تعذيب وليظهروا للنّاس انّه مات بصورة طبيعيّة.

وفي غضون حكم المعتزّ أُسر أكثر من سبعين شخصاً من العلويّين وآل جعفر الطّيّار وآل عقيل بن أبي طالب الّذين ثاروا في الحجاز وجاءوا بهم إلى سامرّاء، وكان المحبّون للإمام العسكري يعيشون الضّيق والعذاب في زمان هذا الخليفة المجرم، وبعضهم كتب رسالة إلى الإمام يشكو فيها من الأوضاع، فأجابهم الإمام: بعد ثلاثة أيّام يحصل الفرج والخلاص، وقد تحقّق ما تنبّأ به الإمام حيث ثار الجنود الأتراك الموجودون في البلاط العبّاسي على المعتزّ لأنّهم رأوه لا يحقّق لهم مصالحهم واضطّروه إلى خلع نفسه من الخلافة ثمّ ألقوه في سرداب وأحكموا اغلاق بابه حتّى هلك في داخله.

وبعد المعتزّ استلم المهتدي زمام الخلافة، وسار هذا الظّالم سيرة النّفاق، فكان يتظاهر بالزّهد ويجتنب البذخ في الظّاهر كما انّه قام بنفي النّساء المغّنيات ومنع المنكرات الأخرى وتظاهر بإعادة الحقوق العادلة للمظلومين، لكنّه احتفظ بالإمام العسكري مدّة من الزّمن في السّجن، بل وحتّى اتخّذ قراراً بقتله إلاّ انّ الأجل لم يمهله فأهلكه الله تعالى. وأثناء خلافة المهتدي ثارت طائفة من العلويّين سيق بعضهم إلى السّجن وهناك لفظوا آخر أنفاسهم.

يقول أحمد بن محمّد:

«كتبت على أبي محمّد (الإمام العسكري، حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الّذي شغله عنّا، فقد بلغني انّه يتهدّدك ويقول والله لأجلينّهم عن جديد الأرض، فوقّع أبو محمّد (ع) بخطّه: ذلك اقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السّادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به، فكان كما قال فقتل المهتدي في تمرّد للاتراك من جيشه وحلّ محلّه المعتمد.

وخلال حكم المعتمد استشهد الإمام العسكري (ع)، وقُتلت أيضاً مجموعة من العلويّين، وبعضهم تمّ قتله بأفجع صورة، وحتّى بعد القتل فقد مثّلوا بأجسادهم.

وقال بعض المؤرّخين انّه قد جرت معارك وصراعات عديدة في حكومة المعتمد حتّى ناهز عدد القتلى نصف مليون قتيل.

وقد سجن الإمام العسكري (ع) مع أخيه جعفر في زمان المعتمد على يدي علي جرين وكان المعتمد يسأل عليّاً عن اخباره في كلّ وقت فيخبره انه يصوم النّهار ويصلّي الّليل فسأله يوماً من الأيّام عن خبره فأخبره بمثل ذلك فقال له امض السّاعة إليه واقرأه مني السّلام وقل له انصرف إلى منزلك مصاحباً. قال علي جرين: فجئت إلى باب الحبس فوجدت حماراً مسرجاً فدخلت عليه فوجدته جالساً وقد لبس خفّه وطيلسانه وشاشه فلمّا رآني نهض فأديّت إليه الرّسالة فركب فلمّا استوى على الحمار وقف، فقلت له ما وقوفك يا سيّدي؟ فقال لي: ترجع إليه فتقول له خرجنا من دار واحدة جميعاً فاذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك ما لا خفاء به عليك، فمضى وعاد فقال: يقول لك: قد اطلقت جعفراً لك لأنّي جسته بجنايته على نفسه وعليك وما يتكلّم به، وخلّى سبيله فصار معه إلى داره.

قال أبو قاسم: خرج رجل من العلويّين من سرّ من رأى في أيّام أبي محمد الإمام العسكري (ع) إلى الجبل (القسم الجبليّ من غرب ايران إلى همدان وقزوين) يطلب الفضل فتلقّاه رجل بحلوان فقال من اين اقبلت؟ قال: من سرّ من رأى، قال: هل تعرف درب كذا وموضع كذا؟ قال: نعم، فقال: عندك من أخبار الحسن بن علي شيء؟ قال: لا، قال: فما اقدمك الجبل؟ قال: طلب الفضل، قال: فلك عندي خمسون ديناراً فاقبضها وانصرف معي إلى سرّ من رأى حتّى توصلني إلى الحسن بن علي، فقال: نعم، فأعطاه خمسين ديناراً وعاد العلويّ معه إلى سرّ من رأى فاستأذنا على الإمام فأذن لهما فدخلا...

زُهْدُ الإِمَامِ(ع)

قال كامل بن ابراهيم المدني: فلما دخلت على سيّدي أبي محمّد (الإمام العسكري (ع) نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليّ الله وحجّته يلبس النّاعم من الثّياب ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال متبسّماً: يا كامل وحسر ذراعيه فاذا مسح اسود خشن على جلده، فقال: هذا لله وهذا لكم.

عِبَادَةُ الإِمَامِ(ع)

وقال أبو هاشم الجعفري: دخلت على أبي محمّد الإمام العسكري وكان يكتب كتاباً فحان وقت الصّلاة الاولى فوضع الكتاب من يده وقام (ع) إلى الصّلاة.

وروى بعض علماء أهل السّنّة ومن جملتهم ابن الصّبّاغ المالكي عن أبي هاشم الجعفري قوله:

ثمّ لم تطل مدّة أبي محمد الحسن (العسكري) في الحبس إِلاّ ان قحط النّاس بسرّ من رأى قحطاً شديداً فأمر الخليفة المعتمد على الله ابن المتوكل بخروج النّاس إلى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فلم يسقوا، فخرج الجاثليق (كبير الاساقفة) في اليوم الرّابع إلى الصّحراء وخرج معه النّصارى والرّهبان وكان فيهم راهب كلمّا مدّ يده إلى السّماء ورفعها هطلت بالمطر، ثمّ خرجوا في اليوم الثّاني وفعلوا كفعلهم أوّل يوم فهطلت السّماء بالمطر وسقوا سقياً شديداً حتّى استعفوا، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشكّ وصفا بعضهم إلى دين النّصرانيّة فشقّ ذلك على الخليفة فأنفذ إلى صالح بن وصيف ان أخرج أبا محمّد الحسن بن علي من السّجن وائتني به، فلمّا حضر أبو محمّد الحسن عند الخليفة قال له: أدرك امّة محمّد فيما لحق بعضهم في هذه النّازلة فقال أبو محمّد: دعنم يخرجوا غداً اليوم الثّالث، قال: قد استعفى النّاس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشكّ عن النّاس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي افسدو فيها عقولاً ضعيفة، فأمر الخليفة الجاثليق والرّهبان ان يخرجوا أيضاً في اليوم الثّالث على جاري عادتهم وان يخرجوا النّاس، فخرج النّصارى وخرج لهم أبو محمّد الحسن ومعه خلق كثير، فوقف النّصارى على جاري عادتهم يستسقون إلاّ ذلك الرّاهب مدّ يديه رافعاً لهما إلى السّماء، ورفعت النّصارى والرهبان أيديهم على جاري عادتهم فغيمت السّماء في الوقت ونزل المطر فأمر أبو محمّد الحسن القبض على يد الرّاهب وأخذ ما فيها فاذا بين اصابعه عظم آدمي فأخذه أبو محمّد الحسن ولفّه في خرقة وقال استسق، فانكشف السّحاب وانقشع الغيم وطلعت الشّمس فعجب النّاس من ذلك، وقال الخليفة: ما هذا يا أبا محمّد؟ فقال: عظم نبي من أنبياء الله عزّوجل ظفر به هؤلاء من بعض قبور الأنبياء وما كشف عظم نبي تحت السّماء إلاّ هطلت بالمطر، واستحسنوا ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال: فرجع أبو محمّد الحسن إلى داره بسرّ من رأى وقد ازال عن النّاس هذه الشّبهة.

إرْشَادُ فَيْلَسُوْفِ العِرَاق:

ان اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف كتاب تخيّل انه يستطيع ان يثبت فيه وجود تناقض في القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منزله وان بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري فقال له أبو محمّد (ع): أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن، فقال التّلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره، فقال له أبو محمّد: أتؤدّي إليه ما القيه اليك؟ قال: نعم، قال: فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله فاذا وقعت الانسة في ذلك فقل قد حضرتني مسألة أسألك عنها فانه يستدعي ذلك منك فقل له: ان اتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها انك ذهبت إليها؟ فانّه سيقول لك انه من الجائز لانّه رجل يفهم إذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له:

فما يدريك لعلّه قد اراد غير الّذي ذهبت انت إليه فيكون واضعاً لغير معانيه. فصار الرّجل إلى الكنديى وتلطّف إلى ان القى عليه هذه المسألة فقال له: اعد عليّ، فأعاد عليه فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللّغة وسائغاً في النّظر، فقال: اقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك؟ فقال: انه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ ما مثلك من اهتدى إلى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرفني من أين لك هذا؟ فقال: أمرني به أبو محمّد فقال: الآن جئت به وما كان ليخرج هذا إلاّ من ذلك البيت، ثمّ انه دعا بالنّار وأحرق جميع ما كان ألفّه.

رِسَالَةُ الإِمَامِ(ع) إلى وَاحِدٍ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الشّيعَةِ

ومن جملة مكاتبات الإمام (ع) مع أصحابه هذه الرّسالة التي وجهّها إلى الشّيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمي وهو من أكبر فقهاء الشّيعة، وهذا هو نصّها:

« بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين والنار للملحدين ولا عدوان إلاّ على الظّالمين ولا اله إلاّ الله أحسن الخالقين والصّلاة على خير خلقه محمّد وعترته الطّاهرين. أمّا بعد أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن علي بن الحسين القمّي وفّقك الله لمرضاته وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته بتقوى الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة فانّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة وأوصيك بمغفرة الذّنب وكظم الغيظ وصلة الرحم ومواساة الأخوان والسّعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل والتفقّه في الدين والتثبّت في الأمور والتّعاهد للقرآن وحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: « لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين النّاس » واجتناب الفواحش كلّها، وعليك بصلاة الليل... ومن استخّف بصلاة اللّيل فليس منّا فاعمل بوصيّتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتّى يعملوا عليه وعليك بالصّبر وانتظار الفرج فان النّبي (ص) قال أفضل أعمال امّتي الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الّذي بشّر به النّبي (ص) انّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً (وهو الإمام القائم (ع) فاصبر يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن وأمر جميع شيعتي بالصّبر فانّ الأرض لله يورثها من عباده من يشاء والعاقبة للمتّقين والسّلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعمة النّصير ».

بَعْضُ أَصْحَابِ الإِمَام (ع)

1 ـ أحمد بن اسحاق الأشعريّ القميّ: وهو من الأصحاب المقرّبين وعمّال الإمام العسكري (ع)، ويعدّ كبير القميّين، وكان يحمل مسائل أهل قم إلى الإمام ويستلم منه الجواب عليها، وقد ادرك أيضاً زمان الإمام الجواد والإمام الهادي (عليهما السلام) وروى عنها كذلك.

2 ـ أبو هاشم داوودد بن القاسم الجعفري:

وهو من أحفاد جعفر الطيّار ومن أعظم رجال أهل بيته وأهل بغداد، وكانت له منزلة رفيعة ومقام محمود عند الأئمة (ع)، وقد ادرك الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري، وكان من جملة الوكلاء والعمّال للإمام صاحب العصر والزمان في أوائل الغيبة الصّغرى.

وكان أبو هاشم مقرّباً جدّاً عند الأئمّة وهو يعدّ من محبّيهّم الواقعيّين وأصحابهم الخاصّين، وقد نقل عدداً كبيراً من الرّوايات عنهم (عليهم السلام) وألّف كتاباً أيضاً، وهناك طائفة كبيرة من أبرز رجال الشّيعة تروي عن كتابه هذا.

وكان أبو هاشم رجلاً متحرّراً شجاعاً غير مبال، فعندما جاءوا برأس يحيى بن عمر الزّيدي إلى محمّد بن عبدالله بن طاهر والي بغداد بارك له البعض هذا النّصر وهنّأوه عليه، فذهب أبو هاشم إلى هذا الوالي وخاطبه من دون تحفّظ: أيها الأمير جئتك لأبارك لك شيئاً لو كان رسول الله (ص) حيّاً لأقام العزاء عليه! وسكت الوالي ولم يقل شيئاً في جواب أبي هاشم.

3 ـ عبدالله بن جعفر الحميري:

وهو من ابرز رجال قم ومن جملة الأصحاب المقرّبين للإمام ، وقد ألّف كتباً كثيرة، منها كتاب « قرب الاسناد » الّذي كان ولا يزال مورد اهتمام كبار علماء الشّيعة وفقهائها.

وبعد عام (290) بقليل رحل إلى الكوفة واقتبس منه أهل الكوفة الحديث.

4 ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري:

وهو النّائب الأوّل للإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشّريف أثناء الغيبة الصّغرى، وكان رجلاً شريفاً وموثّقاً ومن كبار أصحاب ووكلاء الإمام الهادي والإمام العسكري والإمام المهدي، وقد نشأ وشبّ منذ سنّ الحادية عشرة في خدمة الإمام الهادي وكان الرّابط والواسطة بين النّاس والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام الغائب، وكانت تظهر على يديه أحياناً بعض الكرامات.

شَهَادَتُهُ (ع)

كانوا يراقبون الإمام العسكري بشدّة، حتّى انّهم سجنوا الإمام عدّة مرّات، وأخيراً لمّا رأى المعتمد العبّاسيّ انّ اهتمام النّاس واقبالهم على الإمام يزداد يوماً بعد يوم وانّ السّجن والاضطهاد والرّقابة قد أدّت إلى تأثير معكوس فهو لم يتحمّل ذلك واتّخذ قراراً بقتله فدسّ السّم إلى الإمام خُفيةً واستشهد صلوات الله عليه وعلى آبائه الطّاهرين في الثّامن من ربيع الأوّل سنة (260) هجرية.

ومدى نفوذ الإمام في المجتمع والخوف من تمرّد الشّيعة والعلويّين قد اشاع الاضطراب في قلب المعتمد العبّاسي من احتمال انكشاف قضيّة دسّ السّم للإمام، ومن هنا فانّه كان يحاول اخفاء هذه الجريمة بأيّة طريقة، ينقل ابن صباغ المالكي في كتابه « الفصول المهمّة » عن عبدالله بن خاقان، وهو أحد أعضاء البلاط العبّاسي ّ، قوله:

لقد ورد على الخليفة المعتمد على الله أحمد بن المتوكّل في وقت وفاة أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري ما تعجبنا منه ولا ظننّا انّ مثله يكون من مثله، وذلك انّه لما اعتلَ أبو محمّد ركب خمسة من دار الخليفة من خدّامه وثقاته وخاصّته، كلّ منهم نحرير فقه وأمرهم بلزوم دار أبي الحسن وتعرّف خبره ومشاركتهم له بحاله وجميع ما يحدث له في مرضه، وبعث إليه من خدام المتطبّبين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعهّده صباحاً ومساءً فلمّا كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثاً أخبروا الخليفة بانّ قوَتَه قد سقطت وحركته قد ضعفت وبعيد ان يجيٌ منه شيء فأمر المتطبّبين بملازمته وبعث الخليفة إلى القاضي بن بختيار ان يختار عشرة ممّن يثق بهم وبدينهم وأمانتهم يأمرهم إلى دار أبي محمّد الحسن وبملازمته ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك إلى ان توفّي بعد ايّام قلايل، ولمّا رفع خبر وفاته ارتجت سرّ من رأى وقامت ضجّة واحدة وعطلت الأسواق وغلقت أبواب الدّكاكين وركب بنو هاشم والكّتاب والقواّد والقضاة والمعدلون وساير الناس إلى ان حضروا إلى جنازته، فكانت سرّ من رأى في ذلك شبيهاً بالقيامه، فلمّا فرغوا من تجهيزه بعث الخليفة إلى عيسى بن المتوكل أخيه بالصّلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصّلاة دنى عيسى منه وكشف عن وجهه وعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسيّة وعلى القضاة والكتاب والمعدلين فقال: هذا أبو محمّد العسكري مات حتف انفه على فراشه وحضره من خدّام أمير المؤمنين فلان وفلان ثمّ غطّى وجهه وصلّى عليه وأمر بحمله ودفنه، وكانت وفاة أبيى محمّد الحسن بن علي بسرّ من رأى في يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين للهجرة، ودفن في البيت الّذي دفن فيه أبوه بدارهما من سرّ من رأى وله يومئذ من العمر ثمان وعشرون سنة.

وبعد شهادة الإمام العسكري (ع) أقدم ـ في الظّاهر ـ المعتمد العبّاسي على تقديم ميراث الإمام بين أمّ الإمام وأخيه جعفر ليوحي للنّاس انّ الإمام العسكريّ لم يخلّف وراءه ولداً حتى ييأس الشّيعة من وجود الإمام اللاّحق، وامّا في الباطن فقد وظف جواسيسه ليبحثوا ويدقُقوا وإذا ظفروا بولد له فليلقوا القبض عليه، وراح موظّفو الخليفة يسلّطون الضّغوط الشّديدة على أقارب الإمام ولكنّهم فشلوا في الظّفر بالإمام القائم (ع)، والله سبحانه وتعالى قد حفظه وجعله في أمان من كيد الظّالمين، وصحيح ان الإمام الحجّة بن الحسن المهدي قد كفّ عن الاتصال الواضح بالنّاس والحضور المعلن في المجتمع وأختار الغيبة بأمر الله لكي يأمن من شرّ الظّالمين، إلاّ انّ الشّيعة وخواصّ الإمام العسكري ـ الّذين طالما شاهدوا الإمام القائم في صغره ـ كانوا مطمئنّين بوجوده، وعند وفاة الإمام العسكري ظهر الإمام القائم أيضاً في ساحه دار والده وقام بتنحية عمّه جعفر الّذي كان يريد الصّلاة على جثمان الإمام العسكري وأدّى هو بنفسه الصّلاة على جنازة والده الكريم، وخلال فترة الغيبة الصّغرى كان الشّيعة متّصلين بالإمام عن طريق نواّبه الخاصّين، وكان الإمام يجيب على اسئلة شيعته بواسطة أولئك النّواّب.

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2023/05/31  | |  القرّاء : 3456



البحث :

جديد الموقع :


 خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب
 ندوة حوارية في المجلس الشيعي حول فكر الإمام شمس الدين: الخطيب وسلام وعبس ورحال يطرحون رؤية العالم الراحل
 العلامة الخطيب يزور الخيام ويواكب العائدين إليها: اليوم إنكسر جبروت العدو إنتصارا لكل لبنان
 خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب
 العلامة الخطيب من الهرمل: نريد جيشا قويا ودولة تدافع عن لبنان وليس عن طائفة
 كلمة العلامة الخطيب خلال اللقاء الحواري الذي نظمه مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
 رسالة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب
 كلمة العلامة الخطيب خلال الحفل التأبيني للراحل الحاج محمد قاسم الخطيب
 رسالة العلامة الخطيب إلى القادة العرب والمسلمين المجتمعين في المملكة العربية السعودية
 رسالة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب

مواضيع متنوعة :


 نبذة عن حياة الإمام شمس الدين
 سِيْرَةُ الإِمَامِ المَهْديِّ (عليه السلام)
 الآثار التربوية للحج (1) - سماحة الشيخ محمد حجازي
 كلمة العلامة الخطيب في حسينية الامام علي (ع) في خندق الغميق
 سِيْرَةُ الإِمَامِ الحَسَنِ بنِ عليٍّ (عليه السلام)
 كلمة العلامة الخطيب خلال حفل تأبيني للعميد أمين حطيط في بلدة الدوير
 خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب / لبايا.
 سِيْرَةُ الإِمَامِ عليٍّ بنِ الحُسَينِ (عليه السلام)
 العلامة الخطيب يستقبل وفد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
 رسالة العلامة الخطيب إلى القادة العرب والمسلمين المجتمعين في المملكة العربية السعودية

إحصاءات :

  • الأقسام : 21
  • المواضيع : 111
  • التصفحات : 317734
  • التاريخ :
 
 
الموقع بإشراف : مركز الدراسات والتوثيق © في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى - لبنان
تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة © Anwar5.Net