• القسم : الامام الصدر .
        • الموضوع : سيرة الإمام السيد موسى الصدر .

سيرة الإمام السيد موسى الصدر



سيرة الإمام السيد موسى الصدر

مَنّ الله على لبنان بشخصية ملأت الدنيا فكراً واصلاحاً وشغلت الناس لاستشراف غد مشرق، يتماهى مع التاريخ الذي شكل منعطفاً وتحولاً في مسار الانسان الذي كرمه الله، عنيت بها الإمام السيد موسى الصدر الذي رسم ملامح المستقبل على أسس رسالية واضحة يشكل الإسلام مصدرها الأساسي.

لقد كان الإمام الصدر صاحب شخصية فذة ذات بعد محلي وعربي ودولي امتاز بسعة العلم والمعرفة وصواب الموقف وعمق التفكير وطول الاناة.. رسول سلام، متواضع، مشرق بمرؤته وعنفوانه واستقامته، يوحي بالثقة، يدعو للمحبة والتقارب بلغة العقل والمنطق والكرامة ويشجع على العلم والبحث والاجتهاد.

رجل دين لا يجارى، يستمد نضاله من ايمانه بالله، فكره نير متحرر في إطار اسلامي بعيد عن التزمت والتعصب... حياته شعلة من الكفاح المقدس، من أجل رفع راية الحق الأبدي.

صاحب مدرسة للجهاد والمقاومة خرجّت اجيالاً مؤمنة ملتزمة بقضية الانسان والحرية ومستعدة للاستشهاد في مواجهة الظلم والحرمان.

سار على خطى الانبياء والمصلحين مهتدياً بالله تعالى في كل تحركاته واعماله مردداً :

" ليس هناك أحد يقدر ان يحدد لي دوري ... أنا دوري محدد منالله سبحانه وتعالى ومن تاريخ وطني وديني "

" لقد منح الامام الصدر مجتمعه فكراً ومعرفة وحيوية على الصعد كافة حتى غدا قطباً متألقاً استحق تقدير واحترام معظم القطاعات الأدبية والدينية والسياسية.

فمن هو الإمام الصدر؟؟

نسبه:

هو السيد موسى بن السيد صدر الدين بن السيد اسماعيل بن السيد صدر الدين بن السيد صالح شرف الدين، الذي ولد في قرية شحور قضاء الجنوب سنة 1702م وكان عالماً دينياً جليلاً وله باع طويل في الطب والرياضيات.

وحين شن والي عكا احمد الجزار حملته ضد علماء المسلمين الشيعة في جبل عامل، واضطهدهم وقتلهم واحرق المكتبات العاملية في افران، عكا تعرض السيد صالح للاضطهاد، والقى به الجزار في السجن، لكنه استطاع الفرار الى العراق حيث استوطن في النجف الأشرف، ولحقت به زوجته وولداه صدر الدين ومحمد علي قبل نزوحه الى اصفهان.

تزوج السيد صدر الدين ابن السيد صالح من ابنة المجتهد الشيخ الكبير كاشف الغطاء ورزق منها خمسة اولاد أصغرهم السيد اسماعيل الذي غادر اصفهان الى النجف الأشرف لطلب العلم وعرف بالسيد الصدر.

كان السيد اسماعيل من رجال الزهد والورع والعلم وانعقدت له المرجعية العامة حتى وفاته في النجف الأشرف سنة 1919م. وله أربعة اولاد هم: محمد مهدي، صدر الدين، محمد جواد، وحيدر.

أمضى صدر الدين فترة شبابه في العراق حيث قاد حركة دينية تقدمية وشارك في تأسيس الهيئات الثقافية وكتب في الصحف والمجلات العراقية.

تزوج من السيدة صفية كريمة المرجع الديني المعروف السيد حسين القمي ثم هاجر الى مقام الامام الرضا(ع) لمعاونة استاذه الامام عبد الكريم اليزدي في ادارة حوزته العلمية.

مولده: ولد الامام في 15 أذار سنة 1928 في مدينة قم المقدسة.

علومه: تلقى علومه على يدي شقيقه رضا وتركز منهجه في اللغة والأصول على يدي والده.

انتسب الامام الى جامعة قم الدينية واشتهر بانه محقق باحث متحدث ومناقش مميز وانتهت هذه المرحلة بحصوله على درجة الاجتهاد.

التحق بجامعة طهران كلية الحقوق وتخرج منها حاملاً اجازة في الاقتصاد عام 1953 وكانت عمامته اول عمامة دخلت حرم تلك الجامعة.

ـ انتقل في العام 1954 الى النجف الأشرف وتابع دروسه الدينية.

قدومه الى لبنان:

زار الإمام مدينة صور اول مرة سنة 1955 حيث حل ضيفاً على نسيبه السيد عبد الحسين شرف الدين الذي تعرف الى شخصية الامام الصدر وصار يتحدث في مجالسه عن مزايا الامام وعصاميته بما يوحي بجدارته لأن يخلفه في مركزه بعد وفاته.

وفي اواخر العام1959، وبناء على دعوة ابناء السيد عبد الحسين شرف الدين عاد الامام الى لبنان، واقام في مدينة صور خلفاً لنسيبه الامام شرف الدين.

وبدأ مسيرته في لبنان

مراحل عمله:   

آمن الامام بضرورة توعية الجماهير المحرومة، على واقعها السيئ، كمقدمة ضرورية من أجل التغيير والثورة على الأوضاع القائمة، والتمرد على الواقع المشين انسجاماً مع الآية الكريمة (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)  .

لكنه كان متيقناً ان عملية التوعية لن تتم بين ليلة وضحاها، وإنها عملية شاقة وطريق مفروش بالأشواك، لذلك نراه انتهج برنامجاً مرحلياً متدرجاً في عملية التوعية والتثقيف والتعبئة.

1ـ دينياً:

ما أن وطأت قدماه أرض لبنان حتى بدأ الإمام الصدر بالتوجيه الديني مرشداً الناس الى المفاهيم الصحيحة التي ينطوي عليها الدين الإسلامي، رافعاً عنه محاولات التشويه والتحريف والسخرية، مشدداً على إخراجه من صومعة الانعزال وجعله كما هو ديناً للحياة والكفاح الاجتماعي، مزاوجاً مزاوجة رائعة بين العمل الديني والعمل الاجتماعي المرتكز على قواعد الدين والشريعة مزيلاً الحاجز المفتعل بين عمل رجل الدين بوصفه عالماً دينياً، وبين المجتمع الذي له متطلبات كثيرة، معتبراً ان العمل السياسي الاجتماعي جزء من الوظيفة الالهية، فخرج برجل الدين الى عالم الحياة والحركة ورفع عنه غبار السنين ليسير مع الحياة في تطورها ورقيها منسجماً بذلك مع الفكر الديني الأصيل يقول الامام:

" ان رسالتي الدينية منذ بدأتها في القيام بجميع الحقول الدينية يعني انني لا اعتقد بان رسالة الدين تنحصر في العبادات "

وهكذا اجتمعت في الإمام الصدر صفات القيادة الدينية والسياسية والاجتماعية.

لم يمارس الدين من موقع السياسة وإنما مارس السياسة والعمل الاجتماعي من خلال الموقع الديني، فكانت سياسته صدقاً وإخلاصاً ووعياً وقولاً لكلمة الحق مهما كان الثمن. فاستشعر لدى الجميع حاجة روحية تمثلت في الإقبال المنقطع النظير عليه لسماع آرائه ودعوته المخلصة لله.

2ـ إنسانياً:

 عاش معاناة الناس ومشاكلهم ومتاعبهم، وتألم لما كان يعتور هذا الوطن من تمييز اجتماعي وإقتصادي وإنساني، فاقتحم الميدان السياسي والاجتماعي متوقفا عند الإنسان الذي جعله الله خليفته على الارض لعمارة الكون ونشر الفضائل، فنادى بوجوب الحفاظ على إنسانيته وتأمين حقوقه وتوفير عيش كريم له.

رأى الامام ان الحرمان، الذي يعاني منه انسان لبنان، عائد الى طبيعة النظام اللبناني الذي كرس الامتيازات الطائفية التي تحصر السلطة في ايدي فئة قليلة لا على اساس الكفاءة، وإنما على اساس طائفي. فانطلق في عملية إصلاح هذا النظام من خلال نظرة الدين الموضوعية الى الحياة والانسان، من دون نظر الى اللون والمعتقد، رافعاً شعار إلغاء الطائفية السياسية مطالباً بإجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مؤكداً على إنصاف المناطق اللبنانية المحرومة وعلى المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات داعياً الى القضاء على الظلم والطبقية والى بناء لبنان، على اساس الحرية والكرامة واالعدالة والكفاءة وتكافؤ الفرص، لبنان الانسان والحضارة والقيم، فتخطى بذلك خصوصيته الشيعية ليصبح رجل الوطن، فتطلعت اليه مختلف فئات الشعب المحرومة لإنقاذها من نير التمييز والحرمان، وتجمع حوله اللبنانيون وعقدوا عليه الآمال العريضة لمحاربة التخلف والبؤس ولبناء الوطن المنشود كيف لا وهو القائل:

" نموت في سبيل تحقيق مطالب كل المحرومين من كل الطوائف ".

3ـ مؤسساتياً:

إزاء إهمال الدولة للإنسان في لبنان بدأ الإمام الصدر نشاطاً مكثفاً في الميادين الدينية والاجتماعية والتربوية محاولاً الاستجابة لهموم هذا الإنسان وطموحاته وحاجاته من خلال إنشاء المؤسسات العلمية والثقافية والمهنية لاستيعاب قدرات الطائفة مع الحرص على التفاعل البناء مع الطوائف الأخرى لتكون هذه المؤسسات وطنية لخدمة الجميع وأبرز إنجازاته في هذا المجال: لجنة لمنع التسول ـ جمعية بيت الفتاة ( 1963) لتعليم الخياطة والأعمال الحرفية واليدوية ـ معهد الدراسات الإسلامية في صور ( 1964) لتعليم الدراسات الدينية، جمعية التعليم الديني( 1966 ) لإرسال أساتذة متخصصين إلى المدارس الرسمية والخاصة لتدريس مادة التعليم الديني ـ مؤسسة جبل عامل المهنية(1969) في البرج الشمالي (شمالي صور) لاستقبال أبناء الشهداء والفقراء،  مدرسة التمريض للفتيات ( 1969) لتأهيلهن للعمل في المستشفيات أو الالتحاق في الجامعة، دار الحضانة الاجتماعية لحضانة الأطفال قبل دخولهم المدرسة، مدرسة اللغات (1974) لتخريج فتيات وأمهات يتقن إحدى اللغتين الإنكليزية أو الفرنسية، كشافة الرسالة الإسلامية، مستشفى الزهراء (ع) 1978 في منطقة بئر حسن في بيروت، مستوصف الإمام الصدر في منطقة حي السلم الشعبية في بيروت.

ثم توجه الى إنشاء مدارس للايتام تساهم في استيعاب وحل المشاكل التي أحدثتها الحرب اللبنانية  منها: مدينة الزهراء الثقافية والمهنية في خلدة وتضم مدرسة للتمريض ومبرة للأيتام ومعهد خياطة ( أصبحت الان الجامعة الإسلامية). وطوّر جمعية البر والاحسان ودفعها نحو خدمات أشمل وأعمق إضافة لتأسيس الجمعية الإسلامية الشيعية للتخصص والتوجيه لتقديم المنح للمتفوقين المحتاجين، ومبرة المغفور له الامام السيد أبو القاسم الخوئي (1977) في بيروت لإنقاذ أبناء ضحايا الحرب بتغطية مالية من المرجع الأعلى الإمام الخوئي (قده) وقد تفرع عن هذه المبرة مبرة الامام الخوئي في الهرمل ومبرة أخرى في منطقة الدوحة بعد مركزها المؤقت في محلة الصفير.

غير ان أبرز المؤسسات التي أنشأها الامام الصدر وكان لها البصمات الكبرى، ان لم نقل الاولى في ابراز هوية المسلمين الشيعة في لبنان، وتحقيق وجودهم الفاعل والمؤثر هي:

أ ـ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى:

جهد الإمام الصدر على تحسين وضع الطائفة الاسلامية الشيعية والتي كانت أكثر الطوائف حرماناً.

وحينما وجد الامام الصدر أن لكل طائفة مجلساً ملياً عمل على إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ليكون مسؤولاً عن رعاية وحماية أبناء هذه الطائفة وذلك بعد مخاض عسير وصراع مرير مع الإقطاع السياسي الشيعي والمتنفذين من تلك الطائفة، فضلاً عن بعض رجال الدين الذين رأوا في هذه الخطوة خطراً على زعامتهم ومصالحهم.

ب ـ حركة المحرومين:

لأن الحرمان لا دين له ولا طائفة، ولأن المحرومين من كل الطوائف، ولأن الإمام الصدر نذر نفسه للإنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه، كانت حركة المحرومين والتي ضمت في صفوفها الكثير من اللبنانيين من طوائف ومذاهب مختلفة والتي استقطبت مثقفين ومفكرين وسياسيين من كل المشارب والاتجاهات.

يقول الإمام الصدر:

" إن حركة المحرومين هي حركة المطالبة بحقوق المحرومين، ومحتوى الحركة هو السعي لكي لا يبق في لبنان محروم او منطقة محرومة، وهي حركة عفوية واضحة سهلة وممتنعة الى درجة لا غموض فيها "

ج ـ أفواج المقاومة اللبنانية "امل":

بعد تقاعس الدولة عن القيام بواجب الدفاع عن الأراضي اللبنانية ضد الاعتداءات الاسرائيلية، وحتى لا تتكرر مأساة فلسطين فيتشرد أهل الجنوب من أرضهم ثم يحملون السلاح من أجل العودة، انشأ الإمام أفواج المقاومة اللبنانية ـ أمل لتكون المدافع والمحامي عن ارض الوطن في وجه المطامع الاسرائيلية.

 يقول الامام الصدر " منظمة أمل تعني وفقاً لتسميتها: " أفواج المقاومة اللبنانية " للوقوف في وجه الدوريات الإسرائيلية التي تخترق حدودنا تقتل المواطنين وتهدم بيوتهم وتدوس كراماتهم " .       

 " كلمة أمل مركبة من ثلاثة أحرف: " ألف"، "ميم"، "لام" وهي تعني أفواج المقاومة اللبنانية" .

4ـ ثقافياً:

لم يبق الامام أسير جدران المسجد بل انطلق منه الى رحاب المجتمع محاضراً وخطيباً ومحاوراً ومناقشاً.

ألقى العديد من المحاضرات في الجمعيات والأندية والجامعات والمدارس والكنائس وغيرها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

ـ الإسلام وثقافة القرن العشرين في الندوة اللبنانية.

ـ الإسلام وكرامة الإنسان في الجامعة الأميركية.

ـ حسين البكاء لا اعترف به في الكلية العاملية.

ـ الجنوب أمانة يجب ان تحفظ بأمر من الله والوطن في كنيسة الآباء الكبوشيين.

بالإضافة الى العديد من الحوارات الصحفية والمقابلات التلفزيونية.

لم يترك الإمام الصدر مؤلفات او كتباً فقهية لأنه كان يعتبر ان المكتبات الإسلامية غنية بكل المواضيع، إنما الحاجة الأساس كانت كيفية إيصال هذه الأفكار الى المجتمع والناس.

قدم الإمام لبعض الكتب:

ـ " تاريخ الفلسفة الإسلامية" للبروفسور الفرنسي هنري كوربان .

ـ " القرآن الكريم والعلوم الطبيعية " للمهندس يوسف مروة.

ـ " فاطمة الزهراء وتر في غمد " للأديب سليمان كتاني.

ـ " شهداء كربلاء " للشيخ محمد علي القطب.

وعقد الإمام لقاءات عديدة مع المثقفين دون النظر الى انتماءاتهم الفكرية او العقائدية وكانت نتائج هذه اللقاءات توقيع 191 مثقفاً على ميثاق حركة المحرومين نذكر منهم: غسان تويني، كريم بقرادوني، باسم الجسر، جورج جرداق، المطران جورج خضر... 

توجه الإمام الى الشباب والطلاب فالتقى معهم وحاورهم في عديد من الأمور التي تهمهم والتي كان كثير من السياسيين ورجال الدين يتجنبون الخوض فيها.

ـ أقام الامام عدداً من المهرجانات الخطابية كمهرجان تأبين الشهيد علي شريعتي ومهرجاني صور وبعلبك .

بالإضافة الى تركيزه على التثقيف المباشر مع الخلايا الأولى لحركة المحرومين حيث كان يجد ارتياحه الكامل بين تلاميذه ومريديه وكان في هذه اللقاءات يطرح افكاره، وجلّها إجابات عن أسئلة مطروحة من قبل طلابه وايضاحات حول مسائل سياسية واجتماعية، ودينية وغيرها.

4 ـ التعايش الإسلامي المسيحي:

" إن التعايش الإسلامي المسيحي من أغلى ما في لبنان وهذه تجربة غنية للانسانيه كلها " 

كان الإمام الصدر يعتبر أن لبنان حالة فريدة وان التجربة اللبنانية في تعايش الأديان ضرورة حضارية للعالم، " إذا سقطت تجربة لبنان فسوف تظلم الحضارة الإنسانية لمدة خمسين سنة على الأقل "     

5 ـ المواطنية :

نتيجة الحرمان والإهمال التي كانت تعيشه مناطق البقاع والجنوب وحزام البؤس في الضاحية حول بيروت، تعزز فقدان الشعور بالوطن اللبناني لدى سكان هذه المناطق، يضاف إلى ذلك رفض المسلمين لفكرة الانسلاخ عن المحيط العربي، وظل الحنين إلى الدولة العربية سائداً في معظم أوساط المناطق اللبنانية.

وقد عاش الإمام الصدر هموم مجتمعه وآلامه مما ذكرناه واستشعر مدى خطورتها لذا أكد على أن الشعور القومي لا يجب أن يلغي الشعور بالوطن اللبناني لا بل أن الشعور بهذا الوطن هو المنطلق للشعور بالقومية إذ " إن الشعور بالوطن اللبناني لا يتنافى إطلاقا مع الشعور بالقومية ".

لا بل إن الإمام الصدر اعتبر أن انتفاء الشعور بالمواطنية يعرض لفقدان المناعة والصمود أمام الاستعمار وأمام تغلغل العدو الإسرائيلي يقول الامام الصدر:

" إن عدم الشعور بالمواطنية هو الخطر الذي يفتح الباب على مصراعيه للاستعمار ولإسرائيل وحتى لمن هو اضعف من إسرائيل " 

6 ـ رفض الطائفية :

اعتبر الامام الصدر ان تعدد الطوائف في لبنان نعمة وغنى حضاري وثقافي .

" الطوئف المختلفة غنى حضاري وثقافي واسع لخدمة بلد, لخدمة الانسان في كل مكان ولا خوف من وجود الطوائف إطلاقاً " ،وان وجود هذه الطوائف في مجتمع واحد يسهل مهمة التواصل والتبادل الحضاري، " وجود طوائف مختلفة معنى ذلك وجود ينابيع مختلفة في مجتمع واحد كل ينبوع له تجارب ومكاسب ودراسات وحضارات تسهل مهمة التعاون يعني تسهيل مهمة العطاء للآخرين والأخذ من الآخرين ".

لكن الامام الصدر رفض الطائفية والنظام الطائفي معتبراً أنه يصنف المواطنين منذ ولادتهم.

" النظام الطائفي يصنف المواطنين منذ ولادتهم إلى اصناف وفوق كل هذا تمكن من تفريغ التعاليم الدينية من محتوياتها السامية وجعل اثماناً أرضية متفاوتةللانتماءات السماوية ".

ولأن الطائفية تعني التعصب الاعمى وانقطاع الانسان عن الآخرين وتقوقعه داخل طائفته، فقد رفض الامام الصدر:" الطائفية السلبية بمعنى أن ابناء كل طائفة يحاولون الاقتصار في الحياة على ابناء طائفتهم بمعزل عن الطائفة الأخرى, هذا المعنى من الطائفية يعد عازلاً اجتماعياً ويشكل سداً في طريق تقدم المجتمع" .

7 ـ الانفتاح على الآخر:

ايماناً منه بأن الحوار هو الوسيلة الفضلى لتقصير المسافات وحل الخلافات بين الحضارات انتهج الإمام الصدر مبدأ الانفتاح على الأخر واحترام  آرائه ومبادئه وبالتالي عدم تصنيف الناس وفرزهم أو اتخاذ موقف سلبي منهم نتيجة لانتماءاتهم الفكرية أو العقائدية او الدينية.

اعتبر الامام الصدر ان الاعتراف بالآخر واحترام حق الاختلاف ومعرفته كما هو، وفهمه والتعاون  معه ومحبته، هو الطريق الى ترسيخ العيش المشترك والوحدة الوطنية في لبنان والعالم العربي والعالم كله.

8 ـ موقفه من اسرائيل:

اعتبر الامام الصدر ان اسرائيل كيان مغتصب زرعت في قلب الوطن العربي في أكبر عملية استعمارية.

" ان اسرائيل غرست في قلب هذه المنطقة في عملية استعمارية كبرى لم يشهد التاريخ لها مثيلاً "  

وإنها عدو ليس للبنان ولفلسطين بل انها عدو لكل الامة العربية وللاسلام والمسيحية وللانسانية وللاديان لا بل انها عدو لله سبحانه وتعالى.

" ان اسرائيل هي العدو للعرب وللمسلمين وللمسيحيين وللإنسانية ولله سبحانه وتعالى"    

واعتبر الامام الصدر ان اسرائيل أكثر شراً من الشيطان وانها الشر المطلق

" ان اسرائيل شر مطلق " ، من هنا دعا الإمام الى محاربتها بكل سلاح مهما كان وضيعاً وعدم الركون اليها والسعي لإزالتها من الوجود. نعم، يؤكد الامام الصدر وجوب : " ازالة اسرائيل من الوجود "    

9ـ موقفه من الحرب اللبنانية:

في العام 1975 اندلعت شرارة  الحرب اللبنانية الداخلية والتي طالما حذر منها الإمام الصدر ومن نتائجها المدمرة على وحدة لبنان.

  رفض الإمام الصدر هذه الحرب وسعى لنزع فتيل القنبلة الداخلية فاعتصم في مسجد الصفا في بيروت، لوضع حد للعنف ومناقشة إخراج السلاح، ولصون وحدة الوطن، يقول الامام: " اخترت الصيام والاعتصام لكي أضع حداً للعنف ومناقشة اخراج السلاح لنصون وحدة وطننا ونحمي قرارنا ونوفر قوتنا وبأسنا لعدونا "       

هكذا وأكد الامام الصدر ان اطفاء نيران الحرب واجب ديني وقومي ووطني وان كل من يساعد على تخفيف التوتر والمساهمة في ابعاد شبح الحرب عن لبنان يساهم في ابعاد النار عن بيته ومحرابه.

" ان كل فرد يساعد على تخفيف التوتر او اطفاء النيران انما يساهم في ابعاد النار عني وعن بيتي وعن محرابي ومنبري "  

تلك كانت لمحة عامة موجزة ومختصرة عن سيرة الإمام الصدر الفكرية والاصلاحية منذ نشأته وقدومه الى لبنان، أما تغييبه، فهذا ما سنكشف عنه في ما يلي تحت عنوان إخفاء الإمام الصدر.

إخفـاء الإمـام

أسباب وظروف زيارة سماحة الإمام إلى ليبيا:

امام اشتداد المحنة اللبنانية، وتعاظم الأخطار التي تهدد جنوب لبنان بفعل العدو الإسرائيلي وممارساته إثر اجتياحه للجنوب في 14/3/1978وبسبب رفض اسرائيل قرار مجلس الأمن الدولي 425 والقاضي بسحب قواتها من الجنوب اللبناني، فقد وجد سماحة الإمام السيد موسى الصدر، ان الواجب يدعوه لعرض تطورات الوضع العام في لبنان وحقيقة المخاطر التي تهدد جنوبه، على رؤساء الدول العربية صاحبة القرار والتأثير المباشر في معالجة هذه الأوضاع المتردية.

وفي هذا الإطار، قام سماحة الإمام بجولة شملت كلاً من الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، داعيا لعقد مؤتمر قمة عربي محدد سعياً لإنهاء محنة لبنان وإنقاذ جنوبه، وهو ما أعلنه الإمام الصدر بنفسه في حديثه لصحيفة " أخبار الخليج " البحرينية والذي نقلت خلاصته صحيفة " النهار" في 24/7/1978 .

في الجزائر، أجرى سماحته محادثات مع سيادة الرئيس هواري بومدين ومع السيد محمد صلاح يحياوي  ومع مسؤولين آخرين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وفي احدى جلسات هذه المحادثات، أشير على سماحته بزيارة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية لما لقادتها من تأثير على مجريات الوضع العسكري والسياسي على الساحة اللبنانية إكمالاً لجولته وخدمة لأهدافها القومية والوطنية، وأبدى سماحته ان زيارته الوحيدة لليبيا تمت عام 1975 وذلك للمشاركة بمؤتمر اسلامي عام وانه سيلبي دعوة توجه اليه من سلطاتها للقيام بهذه الزيارة والاجتماع برئيسها وقادتها.

بتاريخ 28/7/78 استقبل سماحته في مكتبه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان الذي أبلغه دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية لزيارتها والاجتماع بالأمين العام للمؤتمر، العقيد معمر القذافي، متمنياً بدء الزيارة في 19 أو 21 آب 1978 .

قبل سماحة الامام هذه الدعوة وتريث في تحديد موعد بدء الزيارة.

بتاريخ 20/8/1978 أبلغ سماحته القائم بالأعمال الليبي رغبته في ان تبدأ الزيارة بتاريخ 25/8/1978 واضطراره الى ان يغادر الجماهيرية قبل 1/9/1978 من أجل الاهتمام بزوجته المريضة التي تُعالج في فرنسا والعودة الى لبنان لمتابعة شؤون ملحة، كما أبلغه أسمي عضوي الوفد المرافق لسماحته.

قدمت سفارة الجماهيرية العربية الليبية في لبنان لسماحته تذاكر سفره مع عضوي الوفد المرافقين: الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين، وقد تم حجز مقاعد لحساب السفارة بالدرجة الاولى في الطائرة بموجب كتابها الى شركة طيران الشرق الاوسط رقم 4/3/430 تاريخ 24/8/1978 .

يوم الجمعة بتاريخ 22/ رمضان 1398 هـ الموافق 25 آب 1978، سافر سماحة الامام السيد موسى الصدر يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحفي الاستاذ عباس بدر الدين ( صاحب وكالة اخبار لبنان) الى الجماهيرية الليبية، وكان في عداد مودعيه في مطار بيروت القائم بالاعمال الليبي السيد محمود بن كورة.

ولدى وصوله مطار طرابلس الغرب استقبله عن السلطات الليبية رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام السيد احمد الشحاتي.

أقام سماحة الامام الصدر ومرافقاه في فندق الشاطىء بطرابلس الغرب، ضيوفاً على سلطات الجماهيرية الليبية.

أغفلت وسائل الاعلام الليبية اية اشارة الى قدوم زائرها الرسمي سماحة الامام الصدر، كما أغفلت اي خبر عنه خلال اقامته بضيافتها، لدرجة ان القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس الغرب الاستاذ نزار فرحات لم يعلم بوجوده في هذه المدينة الا عندما اتصل به الاستاذ عباس بدر الدين بتاريخ 28آب 1978، وذلك وفقاً لمضمون التقرير الرسمي المحفوظ في وزارة الخارجية اللبنانية.

انقطاع اخبار الامام وبدء التحرك الرسمي:

ومنذ وصول سماحة الامام الصدر الى ليبيا، لم يرد منه أي اتصال هاتفي او رسالة او خبر لأي كان في لبنان  وذلك خلاف عادته في أسفاره، وكذلك حال مرافقيه، علماً بأن أحدهما الأستاذ بدر الدين صاحب الامام الصدر في هذه الزيارة من أجل تغطية اخبارها في وكالته، وهذا الأمر لم يتحقق.

بعد ان تأخرت عودة الامام الصدر ومرافقيه من ليبيا، واستمر الاتصال بهم منقطعاً، طلب المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 4 شوال 1398 هـ  الموافق 6 ايلول 1978 معلومات في الموضوع، فماطل في اجابة الطلب أربعة أيام. بعد ذلك عرض المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى  الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص الذي استدعى على الفور القائم بالأعمال الليبي بتاريخ 10 أيلول 1978م  واكد له الطلب رسمياً وبصورة مستعجلة، فأجابه ظهر اليوم التالي: " إن الإمام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء يوم 28 رمضان 1398 هـ الموافق 31 آب 1978م الى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الايطالية ( الرحلة رقم 881 ).

نظراً لما أثاره هذا الجواب من قلق، حاول رئيس الجمهورية اللبنانية الاستاذ الياس سركيس بتاريخ 12 أيلول 1978م الاتصال هاتفياً بالقذافي لاستيضاحه في الموضوع وابلاغه ان ضيوفه لم يصلوا الى وطنهم ولم يظهروا خارج ليبيا، الا ان هذه المحاولة لم تنجح بالرغم من تكرارها مراراً في اليوم ذاته، فالمتكلم الليبي على خط الهاتف المطلوب من طرابلس الغرب كان يجيب ان القذافي غير موجود على هذا الخط وكان يعطي رقماً آخر وكان هذا الرقم يطلب دون جدوى...

أما رئيس الحكومة اللبنانية فقد تمكن من الاتصال هاتفياً في اليوم ذاته برئيس الحكومة الليبية الرائد عبد السلام جلود الذي استمهل في بادىء الأمر للاجابة، ثم أجاب في مخابرة لاحقة مكرراً الجواب الذي قدمه القائم بالأعمال الليبي، ومضيفاً: " ان الامام لم يكن راضياً وغادر ليبيا دون اعلام الجهات الرسمية بموعد سفره ليجري وداعه رسمياً، وان أحد الموظفين السيد احمد الخطاب شاهد سماحة الامام صدفة اثناء وجوده في مطار طرابلس الغرب فودعه"

لدى استقصاء اخبار سماحة الامام بسؤال العائدين من ليبيا  بعد حضورهم احتفال " الفاتح من سبتمبر" تبين:

ـ انه كان في استقبال سماحته عند وصوله الى مطار طرابلس الغرب السيد احمد الشحاتي رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.

ـ ان سماحته مع مرافقيه حلوا ضيوفاً على الامانة العامة لمؤتمر الشعب العام ونزلوا في فندق الشاطىء بطرابلس الغرب .

ـ ان السيد احمد الشحاتي أجرى مباحثات مع سماحته بتاريخ 26 و27 آب 1978، وفي احدى جلسات هذه المباحثات اجرى التلفزيون الليبي تصويراً وسجل حديثاً لسماحته، لكن هذا التسجيل لم يبث.

ـ انه سُجل حديث طويل لسماحته عن الشؤون اللبنانية والعربية الراهنة، من أجل بثه في اذاعة الوطن العربي في الجماهيرية، إلا ان اذاعة هذا الحديث منعت.

ـ انه منذ وصول سماحته الى طرابلس الغرب بتاريخ 25/8/1978 كان ينتظر ابلاغه موعد اجتماعه بالقذافي، وكان قد أبلغ عن اضطراره للسفر الى باريس قبل 1/9/1978.

ـ ان مرافقي سماحة الامام كانا ينويان السفر الى باريس، ولذا طلب احدهما السيد عباس بدر الدين من القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بتاريخ 29/8/1978 تأمين تأشيرة له لدخول فرنسا، أما سماحته والشيخ محمد يعقوب فكانا حائزين تأشيرتين صالحتين من السفارة الفرنسية في بيروت.

ـ ان سماحته ومرافقيه شوهدوا معاً يخرجون من فندق الشاطىء حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978 ليستقلوا السيارات الموضوعة بتصرفهم، من أجل الانتقال للاجتماع بالقذافي الذي أكد فيما بعد أنه كان حدد موعداً لهذا الاجتماع في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، وان الاجتماع لم يتم وانه أُبلغ ان سماحته سافر.

انتشر خبر اختفاء الامام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978، وتناقلته الاذاعات ووسائل الاعلام العالمية، ولوحظ انه في هذا التاريخ اوردت احدى الصحف اللبنانية الوثيقة الصلة بالسلطات الليبية الخبر تحت عنوان: " هل لأحداث ايران علاقة بهذا اللغز" وأدرجت هذه الصحيفة في متن الخبر اسباباً تعلل بها التوجه نحو امكانية علاقة القضية بأحداث ايران كما لوحظ ان وكالة الانباء الكويتية اوردت في نشرتها بالتاريخ ذاته ان الامام الصدر موجود منذ بضعة ايام في ايران ونسبت هذا الخبر الى مصادر رسمية ليبية وتبين ان مصدر هذا الخبر هو مدير مكتب وكالة الجماهيرية الليبية للأنباء في بيروت.

ملاحظات حول البيان الليبي الرسمي:

تفاعلت القضية على الصعيد الشعبي في لبنان، وعلى الأصعدة الرسمية محلياً وفي الخارج، لبنانياً وعربياً واسلامياً، طوال الأيام اللاحقة، وتعددت الاتصالات من مراجع عدة بالقذافي، وبقيت السلطات الليبية ساكتة لا تولي القضية أي اهتمام، الى ان اضطرت تحت ضغط المراجعات والرأي العام العالمي وبعد تحرك بعثة التحقيق اللبنانية وأجهزة التحقيق الايطالية الى اصدار بيان رسمي نشر بتاريخ 18  ايلول 1978م ، تزعم فيه " ان الجماهيرية تولي الامر اهتماماً كبيراً وان الجماهيرية تلقي بكامل ثقلها مع القوى الاسلامية والتقدمية لمعرفة مصير الامام موسى الصدر وانقاذ حياته وحياة رفيقيه" ( هذه الأقوال والتعهدات بقيت كلاماً دون أي تنفيذ) .

وهذا البيان الليبي الرسمي، الذي أكد مجدداً ان الإمام الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس الغرب في الساعة الثامنة والربع مساء 31 آب 1978م متجهين الى روما بطائرة " اليطاليا " ( الرحلة 881 ) تضمن مغالطات عدة منها:

1ـ القول ان الامام الصدر زار الجماهيرية مرات عدة من قبل: هذا الكلام غير صحيح لأن الامام الصدر لم يزر ليبيا من قبل سوى مرة وحيدة في أواخر شهر آب 1975 م للمشاركة في مؤتمر فكري اسلامي.

2ـ القول في مطلع البيان الرسمي ان الامام الصدر تربطه بالجماهيرية علاقات متينة مبعثها التقدير والاحترام، وتكراره في ختام البيان بالقول: " تؤكد أمانة الخارجية ان الإمام الصدر تربطه بالجماهيرية علاقات أخوية متينة وتكن له كل احترام وتقدير"

هذا القول عن العلاقات لا أساس له من الصحة، لأنه لم تقم بين الامام وبين الجماهيرية الليبية اية علاقة، من أي نوع كان.

أما القول عن التقدير والاحترام، فتدحضه ممارسة عبد السلام جلود الذي أقام في لبنان أكثر من45 يوماً خلال شهري حزيران وتموز 1976، في ظروف القتال، عقد اثناءها اجتماعات ولقاءات مع مختلف القادة والزعماء ورؤساء الفعاليات والأحزاب والتنظيمات في لبنان، واستمع الى وجهات نظر الجميع، من مختلف الفرقاء، دون أن يجتمع الى الامام الصدر. وعندما التقيا صدفة في دمشق بتاريخ: 12/7/76 وعد جلود الامام بالاجتماع به في بيروت عند عودتهما اليها، وحصلت هذه العودة بتاريخ 14/7/76 واستمر جلود في بيروت مدة اسبوعين بعدها متابعاً اجتماعاته واتصالاته الواسعة دون ان ينفذ وعده.

3ـ اما الأقوال والوقائع الأخرى التي أوردها البيان الليبي الرسمي المنشور بتاريخ 18/9/78م، فتدحضها التحقيقات القضائية التي عرضت نتائجها لاحقاً.

تصريح القذافي لوفد العلماء:

بتاريخ21/9/78م توجهت مسيرة شعبية كبرى، من بيروت الى دمشق حيث كان يعقد " مؤتمر قمة الصمود والتصدي " لإثارة قضية الامام الصدر في هذا المؤتمر.

وبطلب من القذافي تم اجتماع خاص بينه وبين وفد من المسيرة تألف من العلماء أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الأمير قبلان، الشيخ احمد الزين، الشيخ عبد الحليم الزين والشيخ خليل شقير.

وفي هذا الاجتماع صرح القذافي.

1ـ انه كان حدد موعداً للاجتماع بالإمام الصدر في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 31/8/78 م، إلا ان الامام لم يحضر وقيل للقذافي انه سافر، هذا القول يثير السؤالين الآتيين:

أ ـ لماذا لم يحضر الإمام الصدر هذا الاجتماع وهو الذي جاء الى ليبيا من أجله، ومكث فيها أياماً ينتظر موعده الذي حدد قبل ست ساعات وخمس واربعين دقيقة من التوقيت المحدد في البيان الليبي لاقلاع الطائرة التي قيل ان الامام سافر بواسطتها الى روما، علماً بأن الطائرة أقلعت بعد ثلاثة أرباع الساعة من هذا التوقيت.

ب ـ اين كان الامام الصدر في ليبيا خلال الفترة الواقعة بين موعد الاجتماع بالقذافي وبين الموعد الفعلي لاقلاع الطائرة، وهي فترة بلغت سبع ساعات ونصف.

ولماذا لم تجر السلطات الليبية تحقيقاً في هذا الأمر بعد انتشار نبأ الإخفاء؟

إلا ان المعلومات المتوفرة من مصادر عدة، تؤكد حصول الاجتماع ووقوع نقاش حاد خلاله وتباين شديد في وجهات النظر بمسألة محنة لبنان والدور الليبي، وهذا ما أكده الملك خالد وشقيقه الأمير فهد بتاريخ 25/2/1979 للوفد الذي زار السعودية حول موضوع الامام الصدر، وكان في عداده النائبان الأستاذان محمود عمار ومحمد يوسف بيضون.

وتوالت معلومات من مصادر دولية ومنها اقوال صرح بها سراً وزير الخارجية الليبي السابق التريكي تفيد ان الامام ورفيقيه احتجزوا بعد الاجتماع .

2ـ كما صرح ان سفر الامام الصدر ومرافقيه حصل دون إعلام السطات الليبية، وان احد الموظفين الليبيين السيد احمد الحطاب تعرف عليه في المطار فقام بتوديعه. هذا القول يثير أيضاً سؤالين:

أ ـ لماذا يغادر الامام الصدر ليبيا وهو بضيافتها الرسمية، دون اعلام السلطة المضيفة؟

ب ـ كيف يتيسر للامام ومرافقيه مغادرة الفندق مع حقائبهم باتجاه المطار، قاصدين السفر دون ان تتمكن السلطة الليبية من معرفة هذا الواقع في حينه وهي التي تعتمد نظاماً صارماً في المراقبة، لا سيما وان الأمر يتعلق بضيف رسمي وبشخصية كبرى؟

3ـ وصرح أيضاً بانه يعتبر قضية اخفاء الامام الصدر اهانة عربية واسلامية لليبيا نظراً لحرمة الضيف، ولذا فانه يهتم بها ويضع كل امكانياته لكشفها واتخذ اجراءات للتحقيق وأوفد بعثة الى ايطاليا وانه سيبلغ المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى بالنتائج.

السلطات الايطالية:

ان المسألة بالنسبة للسلطات الايطالية، كما هو ثابت في معلومات البعثة الامنية اللبنانية الى روما، هي انه لا يوجد اي تأكيد بأن سماحة الامام دخل الأراضي الايطالية او مر بالترانزيت في مطار روما، بل ان بعض نواحي المعلومات لدى وزارة الداخلية الايطالية تؤكد انه لم يصل اي واحد منهم الى ايطاليا.

وفيما يخص السيد عباس بدر الدين، الذي وجد باسمه اجازة اقامة لمدة 48 ساعة ينزل خلالها في فندق ستلايت بروما، ليتابع سفره الى مالطا بتاريخ 1/9/78 على متن طائرة اليطاليا ( الرحلة 490) ، فان تحقيقات الانتربول أثبتت ان هذا الراكب لم يعثر له على أثر في الفندق المذكور ولم يغادر الى مالطا أو سواها 

رسالة منظمة ارهابية وهمية:

بتاريخ 28/9/78 اودعت رسالة بريد المحطة المركزية للسكة الحديدية في روما موجهة الى الصحيفة الايطالية " بايزي سييرا " وموقعة باسم " منظمة اللبنانيين العلمانيين من أجل لبنان موحد وعلماني" جاء فيها:

" ان المنظمة اختطفت الامام الصدر في 31/8/78 فور وصوله الى روما حيث كان سيلتقي ثلاثة ممثلين ايرانيين معارضين لنظام الشاه، وان اختطافه تم بفضل عباس بدر الدين الذي ينتمي الى المنظمة وهو الآن في اميركا الجنوبية، وأضافت الرسالة: ان الشيخ محمد يعقوب قتل، فيما هو يحاول الهرب من المكان الذي سجن فيه بروما، وسيعلن قريباً المكان الذي دفن فيه، وأن الصدر موجود الآن في امستردام، وأن اختطافه ليس الا بداية تحطيم دعائم الرجعية التي دمرت لبنان وأن الامام خائن وسيحاكم ويلاقي حكم الشعب. وأضافت : ان على المفاوضين من أجل انقاذ الامام أن يذهبوا الى فندق ماريوت في امستردام وفندق شيراتون في بروكسل وفندق هوليدي ان في روما، في العاشر من شهر تشرين الاول في العاشرة قبل الظهر... "

هذا ولقد أثبت التحقيق الايطالي وكذلك التحقيق اللبناني عدم حضور أي شخص الى أي من الفنادق المذكورة في الموعد المحدد، كما أثبت التحقيق ان هذه المنظمة لا وجود لها، وأن الرسالة من نسيج خيال الجهة التي احتجزت الامام الصدر، وذلك بغية التضليل وتشعب التحقيق، واعلن رئيس شرطة الأجانب في امستردام ان زج اسم هذه المدينة في القضية ليس الا مجرد عملية تضليل.

هذه النتيجة التي توصل اليها التحقيق بالنسبة الى هذه الرسالة، تلتقي تماماً مع حقيقة كتاب السفارة الليبية المؤرخ في 28/9/78 م. الذي قصد منه الايهام بأن وراء القضية منظمة ارهابية، ويظهر بجلاء ان الرسالة والكتاب المتوافقي التاريخ والمعنى هما من نسيج فكر واحد.

التحقيق القضائي الايطالي ونتائجه:

ما ان نشرت وكالات الأنباء العالمية خبر القضية حتى تحركت فوراً بتاريخ 13/9/78 النيابة العامة الايطالية في روما وباشرت اجهزة الأمن والتحقيق المختلفة وظائفها لجلاء القضية، وجرت التحقيقات على أوسع نطاق، وبشكل دقيق ومفصل تناول أدق الجزئيات، وتتابعت باهتمام ملموس وبلا انقطاع ودون التوقف عند الحدود الاقليمية بحيث تيسر لاجهزة الامن الايطالية كشف الحقيقة بشكل تام في مدى أسبوعين فقط، فتبين في ملف التحقيق:

1ـ ان طائرة اليطاليا ( الرحلة 881) التي اقلعت من مطار طرابلس الغرب مساء 31/8/78م، تأخرت عن موعد اقلاعها ساعتين.

2ـ ان بعض ركاب الطائرة افادوا ان الركاب كانوا مجتمعين وانتظروا طويلاً في مطار طرابلس الغرب بانتظار دخول الطائرة، وانهم لم يشاهدوا بينهم شخصاً بأوصاف الامام الصدر كما لم يشاهدوا أي شخص بلباس ديني.

3ـ ضبطت افادات كل المضيفات والمضيفين في الطائرة، وعددهم خمسة، كما ضبطت افادات من ركاب الدرجة الاولى في الطائرة، وجميعهم نفوا ان يكون دخل الطائرة شخص بصورة الامام الصدر وأوصافه أو أي شخص بلباس ديني.

4ـ استجوب جميع عناصر  شرطة الجوازات في مطار فيوميشينو ومراقب الجمارك المناوب أثناء وصول ركاب الطائرة الى هذا المطار، وكلهم نفوا ان يكونوا شاهدوا بين هؤلاء الركاب شخصاً بلباس رجل دين او اي شخص بصورة الامام الصدر وأوصافه.

5ـ استجوب جميع مستخدمي الاستقبال ونقل الحقائب وخدم الغرف في فندق " هوليداي ان " في روما فنفوا جميعاً انطباق مواصفات الامام الصدر والشيخ محمد يعقوب على مواصفات الشخصين اللذين حجزا غرفتين باسميهما في الفندق وأودعا فيه حقائبهما وجوازي سفرهما وغادراه بعد عشر دقائق من دخوله.

وتبين ان هذين الشخصين لم يدخلا وحدهما الفندق بل كان مع مجموعة أشخاص يتكلمون فيها اللغة العربية عندما تقدم واحد منهم إلى مكتب الاستقبال لطلب الحجز. كما تبين ان البطاقات التي ملأها النزيلان باسم الإمام الصدر والشيخ يعقوب، لم تُكتب أو تُوقع بخطيهما.

وتبين أيضاً ان هذين النزيلين دخلا الفندق حوالي الساعة العاشرة صباحاً أي بعد أكثر من إحدى عشرة ساعة من وصول طائرة اليطاليا (الرحلة 881) إلى المطار في الساعة 23 ليلاً .

6ـ تبين أيضاً ان حقائب الإمام الصدر التي تركها النزيلان في الفندق خُلطت فيها الألبسة مع الأوراق والملفات والحوائج الأخرى بشكل استدعى ملاحظة المحققين إلى أن أيادي غرباء سبق أن أفرغت محتويات هذه الحقائب ثم إعادتها إليها.

7ـ كما تبين ان صورة سماحة الإمام الصدر على جواز سفره سبق نزعها منه قبل إعادتها إليه.

انهت السلطات الأمنية والقضائية تحقيقاتها الدقيقة بقرار قاضي تحقيق روما بتاريخ 7/6/79 بحفظ القضية والذي تضمن الجزم بأن الإمام ورفيقيه لم يغادروا ليبيا بطائرة اليطاليا ولم يصلوا الى ايطاليا بأية وسيلة نقل. وتضمنت مطالعة نائب المدعي العام الايطالي المؤرخة في 19/5/79 الجزم بأنهم لم يغادروا ليبيا.

أبلغت الحكومة الايطالية رسمياً، كلا من الحكومة اللبنانية والمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان وحكومة الجمهورية العربية السورية وحكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية ان الامام الصدر ورفيقيه لم يدخلوا الأراضي الايطالية ولم يمروا بها " ترانزيت.

تحقيق البعثة الامنية اللبنانية:

بتاريخ 13/9/1978م كانت السلطة اللبنانية فد أوفدت الى ليبيا وروما بعثة أمنية سياسية برئاسة د. عمر مسيكة امين عام مجلس الوزراء اللبناني وعضوية الضابطين من الشعبة الثانية في الجيش اللبناني نبيه فرحات ونصوح مرعب للتحقيق في القضية.

رفضت السلطة الليبية السماح لهذه البعثة بدخول أراضيها، في حين سمحت السلطات الايطالية لها بدخول ايطاليا وممارسة مهمتها. أنجزت هذه البعثة مهمتها في روما بمدة خمسة عشر يوماً قضتها في اجراء التحقيقات وجمع المعلومات بالتعاون مع السطات الايطالية، وقدمت في مطلع شهر تشرين الاول 1978م. الى السلطات الحكومية والقضائية في لبنان تقريرها الذي توافق تماماً مع تحقيقات وتقارير الأجهزة الأمنية الايطالية، وخلص الى النتيجة الآتية:

ان الامام الصدر ورفيقيه لم يصلوا الى روما وانهم لم يغادروا ليبيا في الموعد والطائرة اللذين حددتهما السلطة الليبية في بيانها الرسمي.

موقف المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى:

أعلن المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في بيانات عدة، وخاصة في مؤتمرين صحفيين عقدهما نائب رئيس المجلس سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين في بيروت بتاريخ 31/8/79 و 10/4/1980 مسؤولية القذافي شخصياً عن اخفاء الامام الصدر ورفيقيه.

كما أعلن ان ملوكاً ورؤساء عرب ابلغوه وأبلغوا ممثلي المجلس مسؤولية القذافي عن هذا الإخفاء.

موقف القضاء اللبناني:

كانت الحكومة اللبنانية قد اصدرت مرسوماً برقم 3794 تاريخ 4/2/1981 اعتبرت بموجبه اخفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه جريمة اعتداء على أمن الدولة الداخلي، وأحالت هذه القضية على المجلس العدلي.

وسنداً للمرسوم المذكور، أصدر وزير العدل اللبناني قراراً برقم 72 تاريخ 6/2/1981 عين بموجبه القاضي طربيه رحمة محققاً عدلياً في هذه القضية.

وادعت النيابة العامة التمييزية في القضية بجريمتي الفتنة والحض على النزاع بين الطوائف في لبنان.

وأصدر القاضي رحمة قراره الظني بتاريخ 18/11/86 متضمناً الأدلة وشهادات الشهود على اختفاء الامام ورفيقيه داخل الأراضي الليبية وعلى ان اشخاصاً آخرين انتحلوا شخصياتهم وزيفوا آثاراً لدخولهم الأراضي الايطالية، وان جريمتي خطف الامام وحجز حريته لا تستهدفان الامام شخصياً لأنه لم يتبين وجود خلافات او عداوات شخصية له، بل تستهدفان الساحة اللبنانية بغية خضها وتأجيج الاقتتال الدائر عليها.

وانتهى القرار بتأكيد اختصاص القضاء اللبناني للنظر في القضية وباصدار مذكرة تحر دائم توصلاً لمعرفة الفاعلين والمحرضين والمتدخلين في الجرائم موضوعها.

  طباعة  | |  أخبر صديقك  | |  إضافة تعليق  | |  التاريخ : 2023/05/31  | |  القرّاء : 3459



البحث :

جديد الموقع :


 رسالة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ على الخطيب
 رسالة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ على الخطيب
 العلامة الخطيب يستقبل وفد قيادة اقليم حركة أمل في بيروت ورئيس الجامعة الإسلامية البروفيسور حسن اللقيس ورئيس صندوق الزكاة
 العلامة الخطيب يستقبل رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني المحامي كمال حديد،على رأس وفد من المؤتمر
 اجتماع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بهيئتيه الشرعية والتنفيذية.
 العلامة الخطيب يستقبل وفد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
 العلامة الخطيب يستقبل منسقة الخاصة للأمم المتحدة يوانا فرونتسكا
 العلامة الخطيب يستقبل الشيخ زياد الصاحب.
 العلامة الخطيب يستقبل رئيس الاتحاد العمالي العام د. بشارة الأسمر على رأس وفد
 العلامة الخطيب يستقبل وفد حركة الجهاد الإسلامي

مواضيع متنوعة :


 الآثار التربوية للحج (1) - سماحة الشيخ محمد حجازي
 أبعاد فريضة الحجّ - سماحة المفتي الشيخ يوسف رغدا
 ورقة عمل المجلس للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية 1977 م
 الخطوات العمليّة لولادة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
 سيرة الإمام السيد موسى الصدر
 العلامة الخطيب يلتقي رئيس مجلس الوزراء العراقي ورئيس مجلس النواب ورؤساء الحكومات السابقين وعدداً من الفاعليات العراقية
 سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب يستقبل المستشار الثقافي الإيراني السيد كميل باقري.
 زيارة نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب الى مطرانية دير الأحمر المارونية.
 العلامة الخطيب يستقبل الشيخ زياد الصاحب.
 سِيْرَةُ الإِمَامِ عَليٍّ الهَادي (عليه السلام)

إحصاءات :

  • الأقسام : 21
  • المواضيع : 67
  • التصفحات : 158751
  • التاريخ : 19/04/2024 - 23:55
 
 
الموقع بإشراف : مركز الدراسات والتوثيق © في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى - لبنان
تصميم، برمجة وإستضافة :
الأنوار الخمسة © Anwar5.Net