نَسَبُ الإِمَامِ عَليٍّ(ع)
هو الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
عَليٌّ(ع) وَلِيْدُ الكَعْبَة
وُلد الإمام علي(ع) يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب الأصم بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقبل البعثة بعشر سنين، وكان مكان ولادة مميَّزاً حيث وُلد في مكان لم يسبق أن ولد فيه أحد قبله أو بعده، فقد وُلد في جوف الكعبة عندما أتى أمه المخاض فانشق أحد جدران الكعبة ودخلت تلك الأم إلى داخلها ووضعت فيها أشرف مولود بعد رسول الله محمد(ص).
قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالى، ثُمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب(ع)
أَسْمَاؤُهُ وَأَلْقَابُهُ(ع)
إن للإمام علي(ع) أكثر من إسم ولقب، وقد ذكر المؤرخون بعض أسباب تلك الأسماء والألقاب الشريفة، فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ.
منها : « يعسوب المؤمنين » وحيدرة، الولي ، والوصي ، والتقي ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، وشبيه هارون ، وصاحب اللوى ، وخاصف النعل ، وكاشف الكرب ، وأبو الريحانتين ، وغيرها كثير وكنَّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي تراب لمَّا رآه ساجداً معفِّراً وجهه في التراب ، فكان ذلك من أحبِّ ألقابه إليه.
ومن ألقابه أيضاً : المرتضى ، ونفس الرسول ، وأخوه ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ، وأمير البررة ، وقاتل الفجرة ، وقسيم النار ، وصاحب اللواء ، وسيِّد العرب ، وكشَّاف الكرب ، والصدِّيق الأكبر ، والهادي ، والفاروق ، والداعي ، والشاهد ، وباب المدينة ـ أي مدينة العلم ـ وغرَّة المهاجرين ، والكرَّار غير الفرَّار ، والفقَّار ، وبيضة البلد.
وممَّا قاله البعض عن شجاعته : إنَّه ما عُرف عن بطل في العالم الا كان مغلوباً حيناً ، وغالباً حيناً ، الا عليٌّ عليه السلام فهو الغالب أبداً ودائماً.
نَشْأَةُ الإِمَامِ عليٍّ(ع)
كُتب لعلي(ع) أن تكون نشأته بعين الله ورسوله ليتعلم الكثير عن خاتم الرسل ويتحلى بأخلاقه وجميع صفاته التي نالت مدحاً في كتاب الله العزيز.
فعندما بلغ الثامنة من عمره الشريف دخلت قريش أزمة شديدة فأصابها قحط قاتل فاضطر أبو طالب(ع) إلى وضع أولاده في بيوت من يثق بهم لأنه كان كثير العيال فقال رسول الله(ص) لعمّيه الحمزة والعباس: « ألا نحمل ثقل أبي طالب ، ونخفِّف عنه عياله: فجاءوا إليه وسألوه أن يسلِّمهم وِلده ليكفوه أمرهم ، فقال لهم : دعوا لي عقيلاً وخُذوا من شئتم ، فأخذ العبَّاس طالباً ، وحمزة جعفراً ، وأخذ محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم عليَّاً عليه السلام.
عَليٌّ(ع) أَوَّلُ النَّاسِ إِسْلاماً
كان السبق إلى الإسلام فضلاً كبيراً وشرفاً عظيماً، وهذا هو المنطق الذي اشتهر بعد البعثة بسنوات، فما قولكم بالسبق إلى الإيمان عندما لم يكن على وجه الأرض من المسلمين سوى الرسول وزوجته خديجة وربيبه علي، فأول من آمن من النساء خديجة، وأول من آمن من الرجال علي، وهذا أعظم شرف يمكن أن يناله إنسان في هذا الوجود، فلقد أعلن علي إسلامه في وقت كان الدين فيه غريباً، بل كان حكماً على النفس بالإعدام من قِبل الوثنيين الأشرار.
طالب من الرجال ، ثُمَّ زيد بن حارثة ، ثُمَّ أبو ذرٍّ:
أَبُو طَالِب مُؤْمِنُ آلِ قُرَيْش
لقد كان أبو طالب مؤمناً بالله تعالى قبل ولادة رسول الله محمد(ص) حيث كان على ملة إبراهيم(ع)، والجميع بينهم وبين أنفسهم يعتقدون بإيمانه حيث كان أبو طالب كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه.
ورغم محاولاتهم المتكررة عبر قرون من الزمن لتشويه صورة هذا العظيم(أبو طالب) يبقى الحق واضحاً كالشمس في وسط السماء، ويبقى الله تعالى ناصراً لعباده المخلصين ومؤيداً لهم وحافظاً.
وهناك العديد من المواقف التي تثبت إيمان أبي طالب وتكشف عن منزلته عند الله ورسوله.
الموقف الأول: كفالته للرسول:
الموقف الثاني: أمام تهديد قريش:
الموقف الثالث: المطالبة بحماية الرسول
الموقف الرابع: استسقاؤه بالنبي
الموقف الخامس: مدحه للرسول عند تزويجه:
الموقف السادس: تصريحه بالإيمان.
وهناك عشرات المواقف التي تثبت إيمان هذا الرجل الصالح.
عَليٌّ(ع) فِيْ لَيْلَةِ الهِجْرَة
علِم علي(ع) بتلك المكيدة التي يدبرها القرشيون لاغتيال الرسول فرحّب علي بالمبيت على فراش ابن عمه الأعظم بعد أن قال له: أو تَسْلَم أنت يارسول الله إن فديتك بنفسي؟ فقال(ص) نعم ، بذلك وعدني ربِّي: فسُرّ علي لذلك، واستقبل السيوف بقلب مفعم بالإيمان، وقد كانت تلك أول عملية بطولية إستشهادية يقوم بها فرد من المسلمين بتلك الطريقة الرائدة في الإيثار.
ارتدى ثوب رسول الله ليوهم الأعداء بأن النائم على السرير هو الشخص الذي تطلبونه، فودع الرسول علياً وخرج من باب داره دون أن يلاحظ أحد، ولمَّا حان الوقت الذي عيَّنوه لهجومهم على الدار ، هجموا عليها ، فوثب عليٌّ عليه السلام من فراشه ، ففرُّوا بين يديه حين عرفوه.
ولم يشرك أمير المؤمنين عليه السلام في هذه المنقبة أحد من أهل الإسلام ، ولا اختصَّ بنظير لها على حال ، وفيه نزل قوله تعالى في هذه المناسبة : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد)
عَليٌّ(ع) وَالرَّكْبُ الفَاطِميُّ
بعد خروج رسول الله(ص) من مكة بقي علي(ع) ثلاث ليال أدى فيها الأمانات والودائع التي كانت في حوزة الرسول، وفي هذه الأثناء كان(ص) قد وصل إلى يثرب على مقربة من المدينة بعد أن قطع الجبال والوديان فقصد دار بني عمرو بن عوف ونزل عندهم ضيفاً لأكثر من عشرة أيام، وكان ذلك في شهر ربيع الأول، فكتب إلى علي أن يلحق به بعد تأدية ما أوصاه به، فخرج الإمام علي ومعه فاطمة الزهراء(ع) وفاطمة بنت أسد وفاطمة بنت الزبير وفاطمة بنت حمزة وأم أيمن وأبو واقد.
كان يسير بهن ليلاً ويكمن نهاراً وكان ماشياً غير راكب حتى تفطرت قدماه من المشي.
عَليٌّ(ع) يَوْمَ المُؤاخَاة
بعد أن بنى رسول الله(ص) مسجده في المدينة عمَد إلى إجراء مؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتوطيد العلاقة الدينية والإجتماعية والإقتصادية بينهم، فآخى بين كل فردين، وجاء في سيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار فقال : « تآخوا في الله أخوين أخوين » ثُمَّ أخذ بيد
عليِّ بن أبي طالب فقال : « هذا أخي » فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيِّد المرسلين وإمام المتَّقين ورسول ربِّ العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد ، وعليُّ ابن أبي طالب رضي الله عنه أخوين:
زَوَاجُ عَليٍّ مِنْ فَاطِمَةَ(عليهما السلام)
إنه أعظم علقة زوجية في تاريخ العالَم كله، بل إنه أقدس زواج حصل في هذا التاريخ، حيث قام على أسس وروابط لا مثيل لها، لقد حصل هذا الزواج الميمون في السنة الثانية للهجرة، حصل بأمر مباشر من الله تبارك وتعالى حيث جمع نور علي وفاطمة في بيتٍ هو أعظم بيوت العالم في الفضائل والمكرمات.
لقد حاول كثير من وجهاء المسلمين التقدم لخطبة سيدة نساء العالمين فاطمة(ع) غير أن رسول الله(ص) كان يردهم بطريقة جميلة ويخبرهم بأن مسألة زواج فاطمة مرتهنة بالوحي الإلهي.
وعن أبي أيوب الانصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : « أمرت بتزويجك من السماء »
قال نفر من الأنصار لعليٍّ عليه السلام : عندك فاطمة. فأتى رسول الله(ص) فسلَّم عليه، فقال : « ما حاجة ابن أبي طالب » ؟ « ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ». قال : « مرحباً وأهلاً ».
وحين وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبول من كلا الطرفين ، سأل عليَّاً عليه السلام : « هل عندك شيء ؟ » وكان لا يملك غير سيفه ودرعه وناضحه.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « فأمَّا سيفك فلا غنى بك عنه ، تجاهد في سبيل الله ، وتقاتل به أعداء الله ، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك ، وتحمل عليه حلَّك في سفرك ، ولكنِّي رضيتُ منه بالدرع »
فباعها وباع أشياء غيرها كانت عنده ، فاجتمع له منها أربعمائة درهم ، فكان هذا مهر فاطمة.
غَزَوَاتُ عَليٍّ(ع) مَعْ رَسُوْلِ الله(ص)
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى وغَزْوَةُ أُحُد ووَقْعَةُ بَنِيْ النَّضيْر ووَقْعَةُ الأَحْزَاب ووَقْعَةُ بَنيْ قُرَيْظَة وعُمْرَةُ الحُدَيْبية ووَقْعَةُ خَيْبَر ووَقْعَةُ ذَاتِ السَّلاسِل وفَتْحُ مَكَّة ووَقْعَةُ حُنَيْن.
عِليٌّ(ع) فِيْ اليَمَن
في السنة العاشرة للهجرة بعث النبي(ص) علياً(ع) إلى اليمن لجمع صدقات أهلها وليكون قاضياً بينهم، وفي ذلك قال(ع): ولمّا بعثني رسول الله(ص) الى اليمن ، قلت : تبعثني وأنا رجل حديث السن ، وليس لي علم بكثير من القضاء ؟ قال : فضرب صدري رسول الله(ص) وقال : اذهب ، فإن الله عزّ وجلّ سيثبت لسانك ويهدي قلبك.. » قال :فما أعياني قضاء بين اثنين:
قال البراء بن عازب : ثم بعث علي بن أبي طالب ، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه ، إلاّ من أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه ، فكنت فيمن عقب مع عليّ ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا ، ثم تقدم علي فصلّى بنا ثم صفنا صفاً واحداً ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله فأسلمت همدان جميعاً.
فكتب علي إلى رسول الله(ص) بإسلامهم ، فلما قرأ رسول الله الكتاب خرّ ساجداً ، ثم رفع رأسه فقال : « السلام على همدان ، السلام على همدان »
عَلِيٌّ(ع) فِيْ حجَّةِ الوَدَاع
خرج رسول الله(ص) من المدينة متوجِّها إلى الحجِّ في السنة العاشرة من الهجرة ، وحجَّ عليٌّ(ع) من اليمن ، ولمَّا قارب رسول الله مكَّة من طريق المدينة ، قاربها أمير المؤمنين من طريق اليمن ، فتقدَّم الجيش إلى رسول الله فسرَّ بذلك ، وقال له : « بم أهللت يا عليُّ » ؟ فقال : « يا رسول الله ، إنَّك لم تكتب إليَّ بإهلالك ، فعقدت نيتي بنيِّتك ، وقلت : اللَّهمَّ اهلالاً كإهلال نبيِّك ». فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « فأنت شريكي في حجِّي ومناسكي وهديي ، فأقم على إحرامك ، وعد على جيشك وعجِّل بهم إليَّ حتَّى نجتمع بمكَّة ».
وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس ، وأراهم مناسكهم وعلَّمهم حجَّهم ، إلى أن قال : « لا ترجعوا بعدي كفَّاراً مضلِّين يملك بعضكم رقاب بعض ، إنِّي قد خلَّفت فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ألا هل بلَّغت » ؟ قالوا : نعم. قال : « اللَّهمَّ اشهد ».
ولمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسكه وقفل إلى المدينة ، وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خُمٍّ نزل عليه جبريل عليه السلام وأمره أن يقيم عليَّاً عليه السلام وينصِّبه إماماً للناس؛ فقال : « ربِّ إنَّ أُمَّتي حديثو عهد بالجاهلية » فنزل عليه : إنَّها عزيمة لا رخصة منها ، فنزلت الآية : ( يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس )
فأخذ بيد عليٍّ فرفعها ، حتَّى بان بياض ابطيه ، وقال : « من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللَّهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».
السَّاعَاتُ الأَخِيْرَةُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ الله(ص)
اشتدَّ برسول الله(ص) وجعه ، فقال : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلُّون بعدي » فتنازعوا ، وما ينبغي عند نبيٍّ تنازع ، وقالوا : ما شأنه ، أهَجَر ؟ استفهموه! قال : « دعوني ، فالذي أنا فيه خير » ». فكان ابن عبَّاس يقول : « إنَّ الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم »
ولمَّا كثر التنازع عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الكتاب ، وخرجوا من عنده ، قال : « رُدُّوا عَلَيَّ أخي عَلِيَّ بن أبي طالب ». ولمَّا حضر قال : « ادنُ منِّي » فدنا منه فضمَّه إليه ، ونزع خاتمه من يده ، فقال له : « خُذ هذا فضعه في يدك » ودعا بسيفه ودرعه ولامته ، فدفع جميع ذلك إليه ، وقال له : « اقبض هذا في حياتي » ودفع إليه بغلته وسرجها وقال : « امضِ على اسم الله إلى منزلك »
ولمَّا قرب خروج تلك النفس الطيِّبة إلى جنان الخلد وسدرة المنتهى قال له : « ضع رأسي يا عليُّ في حجرك ، فقد جاء أمر الله عزَّ وجلَّ فإذا فاضت نفسي ، فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ، ثُمَّ وجِّهني إلى القبلة وتولَّ أمري ، وصلِّ عليَّ أوَّل الناس ، ولا تفارقني حتَّى تواريني في رمسي ، واستعن بالله عزَّ وجلَّ ».
ثمَّ قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ، ففاضت نفسه ، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ، ثُمَّ وجَّهه وغمَّضه ومدَّ عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره..
عَليٌّ(ع) نَفْسُ رَسُول الله(ص)
لقد عبّر القرآن الكريم عن علي(ع) بأنه نفس رسول الله(ص) كما ورد في بيان حادثة المباهلة بين الرسول ونصارى نجران فقال تعالى(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِين)
فالذين باهل بهم رسول الله نصارى نجران هم علي وفاطمة والحسن والحسين(ع) وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى(أنفسنا) علي بن أبي طالب(ع).
عَليٌّ(ع) ثَانِيْ أَصْحَابِ الكِسَاء
قال تعالى(إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)
وأهل البيت هنا هم أصحاب الكساء(ع) وقد نزل الروح الأمين بهذه الآية المباركة ، حينما جلَّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم السلام بكساءٍ حبري ، وغشَّاهم به ، ثُمَّ أخرج يديه المباركتين فألوى بهما إلى السماء ، ثُمَّ قال : « اللَّهمَّ هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرا »
مَدْحُ الله تعالى لعلي(ع)
عندما بات علي(ع) في فراش رسول الله(ص) ليلة الهجرة أنزل الله تعالى على رسوله محمد آية طمأنه فيها على حياة علي وبيّن له فيها فضيلة من فضائله حيث قال سبحانه(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد)
عَليٌّ(ع) وَسُوْرَةُ الدَّهْر
لا يختلف المفسرون بأن سورة الدهر قد نزلت في حق علي وفاطمة وابنيهما عندما تصدقوا على المسكين واليتيم والأسير وتضوروا جوعاً وكان ذلك قمة الإيثار، ولذا فقد خصّهم الله تعالى بالذكر حيث قال في محكم كتابه(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)
مَزَايَا عليٍّ(ع) فِيْ الحَدِيْثِ الشَّرِيْف
عَلِيٌّ(ع) أَوَّلُ المُسْلِمِيْن
قال(ص) لعلي(ع) : « أنت أوَّل مَنْ آمن بي ، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين:
عَلِيٌّ(ع) أَحَبُّ الخَلْقِ إِلَى اللهِ تَعَالَى
ذات ليلة أُهدي إلى النبي(ص) طائر مشوي فدعا ربه عز وجل أن يبعث إليه أحب الخلق عنده، وبينما هو جالس وإذا بعلي بن أبي طالب(ع) يأتي ويطرق الباب ويشارك رسول الله(ص) بأكل الطير.
بَابُ عليٍّ(ع)
سد رسول الله(ص) جميع الأبواب في المسجد النبوي إلا باب علي بن أبي طالب فتكلَّم الناس في ذلك ، فلمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولهم ، قام وخطب فيهم فقال : « أمَّا بعد.. فإنِّي أُمرتُ بسدِّ هذه الأبواب الا باب عليٍّ ، وقال فيه قائلكم ، والله ما سددته ولا فتحته ، ولكنِّي أُمرتُ فاتبعته.
عَلِيٌّ(ع) الذَّائِدُ عَن الحَوْض
إنه(ع) صاحب حوض رسول الله(ص) في يوم القيامة، وفي قال(ص) لعلي(ع): « والذي نبَّأ محمَّداً وأكرمه ، إنَّك لذائد عن حوضي ، تذود عنه رجالاً ، كما يذاد البعير الصادي عن الماء ، بيدك عصا من عوسج كأنِّي أنظر الى مقامك من حوضي:
وفي ذلك قال علي(ع): والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة ، لأقمعنَّ
بيدي هاتين عن الحوض أعداءنا ، ولأوردنَّ أحبَّاءنا:
عَلِيٌّ(ع) يُبَلِّغُ عَن الرَّسُوْلِ(ص)
بعث النبي أبا بكر بتبليغ سورة براءة ثم بعث علياً خلفه فسأل أبو بكر رسول الله(ص) : أحدث فيَّ شيء ، يا رسول الله ؟ فقال(ص): لا ، ولكنِّي أُمرت ألا يبلِّغ عنِّي إلا أنا أو رجل منِّي:
عَلِيٌّ(ع) كَرَّارٌ غَيْرُ فَرَّار
في قضية فتح خيبر نقل علي(ع) عن رسول رب العالمين أنه قال(ص): والذي نفسي بيده ، لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبُّه الله ورسوله ، كراراً ليس بفرَّار ، يفتح الله على يديه ، فأرسل إليَّ وأنا أرمد؛ فتفل في عينيَّ
وقال : اللَّهمَّ اكفه أذى الحرّ والبرد ، فما وجدتُ حرَّاً بعدُ ولا برداً:
البَيْعَةُ لأَبِيْ بَكْرٍ
بعد أن بايع الناس أبا بكر ظهر في مكة والمدينة فريقان:
الأول: وهو الفريق المنافق والمفتن، وهم الكائدون للإسلام وعلى رأسهم أبو سفيان الذي أتى إلى الإمام(ع) وقال له: والله لئن شئت لأملأنَّها عليه خيلاً ورَجِلاً. فردَّه عليه السلام : « والله إنَّك ما أردت بهذه الا الفتنة ، وإنَّك والله طالما بغيت للإسلام شرَّاً ، لا حاجة لنا في نصيحتك »
ومن كلمات أبي سفيان التحريضية قوله: يا معشر قريش ، إنَّه ليس للأنصار أن يتفضَّلوا على الناس ، حتى يُقرُّوا بفضلنا عليهم.. وأيم الله لئن بطروا المعيشة ، وكفروا النعمة ، لنضربنّهم على الإسلام كما ضربونا عليه:
ومن هذا الفريق أولئك الطلقاء الذين حرضوا قريشاً على المناصرين لعلي والهاتفين به.
الثاني: وهو الفريق الذي ثبت على الحق، ويلحق بهذه الطائفة المهاجرون والأنصار الذين مالوا عن مبايعة أبي بكر ، حيث كانوا لا يشكُّون أنَّ الأمر صائر إلى عليٍّ عليه السلام ، وكان شعارهم الذي رفعوه بأصواتهم : « لا نبايع الا عليَّاً »
ومنهم : عتبة بن أبي لهب بن عبدالمطلب الذي أنشد يقول :
ومنهم : المقداد وعمَّار وسلمان وأبو ذرٍّ وحذيفة بن اليمان وخالد بن سعيد بن العاص وأبو أيوب الأنصاري ، وسائر بني هاشم.
ومنهم : ابن عباس في حديثه مع عمر ، حين سأله عمر عن عليٍّ عليه السلام ، فقال : أيزعمُ أنَّ رسول الله نصَّ عليه ؟!
قال ابن عباس : نعم ، وأزيدك : سألت أبي عن ذلك ، فقال : صدق وغيرها من المواقف التي سنأتي عليها في موضوع لاحق.
استشارة علي(ع) في الأحكام الشرعية
ومن جملة موارد الرجوع إليه في الأحكام الشرعية والقضايا الدينيّة في عهد أبي بكر ، وكما جاء الخبر به عن رجال من العامَّة والخاصَّة : أنَّ رجلاً رُفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر ، فأراد أن يقيم عليه الحدَّ ، فقال له : إنَّني شربتها ولا علمَ لي بتحريمها ، لأنَّي نشأت بين قومٍ يستحلُّونها ، ولم أعلم بتحريمها حتى الآن.. فأُرتج على أبي بكر ، ولم يعلم وجه القضاء فيه ، فأشار عليه بعضُ من حضره أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك ، فأرسل إليه من سأله عنه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « مُرْ ثقتين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ، ويُناشدانهم الله هل فيهم أحدٌ تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدَّ عليه ، وإن لم يشهد عليه أحدٌ بذلك فاستتبه وخلِّ سبيله » ففعل أبو بكر ذلك.
الإِهْتِمَامُ بِالقُرْآنِ الكَرِيْم
في اعتزاله(ع) عن السلطة تفرّغ لمهام كبرى تخدم المصلحة الإسلامية وتحافظ على الدين الذي جاء به محمد(ص) من عند ربه، ومن جملة تلك المهام(جَمْعُ القرآن الكريم) حيث لم يخرج(ع) من بيته بعد وفاة الرسول إلا بعد أن جمع القرآن الكريم وأوضح العديد من معانيه.
عَليٌّ(ع) فِيْ عَهْدِ عُمَر
عهد أبو بكر بالخلافة لعمر، وكان عثمان من أنصار هذا الإتجاه، وقد سار عمر على نهج أبي بكر الذي أوصاه بالحذر من علي(ع) فحذره كما أوصاه، فما كان من عمر إلا أن سجن المخلصين لعلي ومنه الجهاد في سبيل الله بدعوى أن الغزوات التي قام بها الرسول تكفي للثواب والشرف.
وبعد مدَّةٍ وجيزة واصل عمر حروب الفتوح ، فبعث المثنى بن حارثة الشيباني في مواصلة تلك الحروب في نواحي العراق ، فهزمهم الفرس ففرُّوا إلى الأطراف ، فوقف عمر من أمره حائراً ، وأخذ يستشير الصحابة في أن يخرج هو بنفسه في مواصلة الحرب..
ولمَّا استشار عليَّاً عليه السلام نهاه عن الخروج قائلاً : « نحن على موعدٍ من الله ، والله منجزُ وعده ، وناصر جنده ، ومكان القيِّم بالأمر مكانُ النظَام من الخرز ، يجمعه ويضمُّه ، فإذا انقطع النظام تفرَّق الخرز وذهب ، ثُمَّ لم يجتمع بحذافيره أبداً ، والعرب اليوم ، وإن كانوا قليلاً ، فهم كثيرون بالإسلام ، عزيزون بالإجتماع ، فكن قُطباً ، واستدر الرحا بالعرب.
إنَّك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمُّ إليك ممَّا بين يديك. إنَّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا : هذا أصل العرب ، فإذا اقتطعتموه استرحتم ، فيكون ذلك أشدُّ لَكَلِبهم عليك ، وطمعهم فيك » .
كذا رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس ، متجاهلاً حقَّه ، من أجل حفظ بيضة الإسلام ، وقد ساهم الإمام عليه السلام بكلِّ ما بوسعه ، وادَّى ما عليه من البلاغ ، من تعليم وتفقيه ، بل وقضاء أيضاً.
فِيْ عَهْدِ عُثمان
عندما طُعن عمر بن الخطاب طُلب منه أن يستخلف غيره فرفض الفكرة وردها للشورى، وفي لحظتها عدل عن مبدئه وقال: « لو كان أبو عبيدة حيَّاً لولَّيته! لو كان معاذ بن جبل حيَّاً لولَّيته! لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيَّاً لولَّيته:
وقد اختار ستة زعم أن النبي كان راضياً عنهم، وهم: عُثمان بن عفَّان وعليُّ بن أبي طالب ، وطلحة وسعد بن أبي وقَّاص والزبير وعبدالرحمن بن عوف:
ولمَّا خرج عليٌّ عليه السلام والجماعة من البيت بانتظار الموعد المعيَّن ، ما لبث أن جاءه عمُّه العبَّاس يسأله عمَّا جرى ، فقال : « عدلتْ عنَّا »! فقال : وما علمك ؟
قال : « قرن بي عُثمان ، وقال : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً ، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن ، فسعد لا يخالف ابن عمِّه ، وعبدالرحمن صهر عُثمان لا يختلفون ، فيولِّيها أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ».. ومضى يقصُّ على عمِّه أحداث الشورى وتفاصيلها ، حتى ملكته الدهشة لما سمع.. فقال له العبَّاس : إحذر هؤلاء الرهط ، فإنَّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم به غيرنا ، وأيم الله لا يناله الا بشرٌ لا ينفع معه خير! فقال عليٌّ عليه السلام : « أمّا لئن بقي عُثمان لأذكِّرنَّه ما أتى ، ولئن مات ليتداولُنَّها بينهم ، ولئن فعلوا لتجدنِّي حيث يكرهون »
ولمَّا اجتمعوا تكلَّم أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : « الحمد لله الذي بعث محمَّداً منَّا نبيَّاً ، وبعثه إلينا رسولاً ، فنحن بيت النبوَّة ، ومعدن الحكمة ، وأمان أهل الأرض ، ونجاة لمن طلب ، لنا حقٌّ إن نُعْطَه نأخذه ، وإن نُمْنَعْه نركبْ أعجاز الإبل ولو طال السُّرى ، لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهداً لأنفذنا عهده ، ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتى نموت ، لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقٍّ وصلة رحم ، لا حول ولا قوَّة الا بالله ، اسمعوا كلامي وعوا منطقي ، عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا المجمع تُنتضى فيه السيوف ، وتُخان فيه العهود ، حتى تكونوا جماعة ، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة »
ومهما كان الحال ، فقد جاء في سائر التواريخ أنَّ أوَّل عمل قام به طلحة أن أخرج نفسه منها ، ووهب حقَّه فيها لعثمان بن عفَّان ، كرهاً منه لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام.
عَهْدُ الخَلِيْفَة الحقّ(ع)
قُتل عثمان ولم يبقَ سقيفة ولا شورى، فهرول الناس إلى دار الإمام(ع) لمبايعته، وقد وصف الإمام حالهم بقوله المبارك: فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ... أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاََلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز:
وقد تمت بيعة الإمام(ع) يوم الجمعة في الخامس والعشرين من ذي الحجة عام خمسة وثلاثين للهجرة.
وكان ممَّن تخلَّف عن بيعته يوم ذاك : حسَّان بن ثابت ، وكعب بن مالك ، وزيد بن ثابت ، ومروان بن الحكم ، وسعد بن أبي وقَّاص ، وعبدالله بن عمر ، ومعاوية ومن معه في جماعة أهل الشام وآخرون، وعائشة بنت أبي بكر
سِيَاسَةُ الإِصْلاح
إن أهم ما قام به الإمام(ع) فور توليه الحكم أمور ثلاثة:
أوَّلاً : باشر الإمام في تنفيذ العدل والمساواة بين الرعية..
وثانياً : مراقبة العمَّال والأُمراء.
ثالثاً : القتال على تأويل القرآن
إِلْغَاءُ التَّمَايُز الطَّبَقِيّ
ساد في عهد الثاني والثالث تمايز طبقي في توزيع الثروة من بيت المال ، حتى أصبح الناس قسمين ، قسم في عداد الأثرياء وما فوق ذلك ، وآخرون لا يرتفعون عن مستوى الفقر كثيراً! حتى تسبَّبت هذه السياسة الظالمة في استثراء تفاوت طبقي خطير.. فأعلن الإمام عليٌّ عليه السلام إلغاء التمايز الطبقي بكلِّ أسبابه ، وعهد إلى التسوية بين الناس في العطاء ، فالناس عنده سواسية كأسنان المشط ، وانقطعت آمال الطبقة الغنية التي لم تنظر للدنيا الا في منظار مادِّي.
ولمَّا نودي لقبض الحقوق ، قال الإمام عليٌّ عليه السلام لعبيدالله بن أبي رافع : إبدأ بالمهاجرين فناديهم ، وأعطِ كلَّ رجلٍ ممَّن حضر ثلاثة دنانير ، ثُمَّ ثنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك ، ومن حضر من الناس كلُّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك: وتخلَّف يومذاك رجال منهم : طلحة ، والزبير ، وعبدالله بن عمر ، وسعد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، قد عزَّ عليهم أن يكونوا كغيرهم من الموالي والعبيد!
سِيَاسَتُهُ فِيْ الحُكْم
أفضل ما يمكن أن يصف لنا هذه السياسة العادلة هي قوله(ع) في نهج البلاغة:
ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْض، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض.
وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ، عَلَى الْوَالِي، فَرِيضةً فَرَضَهَا اللهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلّ عَلَى كُلّ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاُِلْفَتِهِمْ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ.
فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَْعْدَاءِ.
وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ
الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الاِْدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الاَْحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الاَْبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاَْشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ الْعِبَادِ.
فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَى اللهِ حِرْصُهُ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغ حَقِيقَةَ مَا اللهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ، وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلى العِبَادِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ. وَلَيْسَ امْرُؤٌ ـ وَإنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ. وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ.
إِسْتِبْدَالُ الوُلاة
انتخب الإمام عليٌّ عليه السلام رجالاً من الذين أُبعدوا في عهد سابقيه دون أدنى سبب ، جعلهم مكان الولاة الذين ضجَّت الأُمَّة من سياستهم المنحرفة ، كالوليد بن أبي معيط ـ الذي سمَّاه القرآن فاسقاً ـ وعبدالله بن أبي سرح ، الذي انتفضت عليه مصر ، وعبدالله بن عامر ، ومعاوية الرجل المتجبِّر!
وأمَّا البدائل ، فهم : قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، والأنصاريان الجليلان : سهل بن حنيف وعُثمان بن حنيف ، بدائل عن ابن أبي سرح وابن عامر ومعاوية ، على مصر والبصرة والشام ، وجعل عبيدالله بن عبَّاس على اليمن ، وقثم بن عبَّاس على مكَّة.
وَقْعَةُ الجَمَل
بينما كان الإمام عليٌّ يجهِّز جيشاً إلى الشام بقيادته؛ لكسح معاوية أتاه الخبر عن طلحة والزبير وعائشة من مكَّة بما عزموا عليه ، فاستعدَّ لحرب الناكثين، وسار من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ستٍّ وثلاثين، واستغلَّ هذا الجانب سخط عائشة على الإمام عليٍّ عليه السلام ومواقفها العدائية منه.. فلمَّا كانت بمكَّة ، وقد خرجت إليها قبل أن يُقتل عُثمان ، فلمَّا كانت في بعض طريقها راجعةً إلى المدينة لقيها ابن أمِّ كلاب ، فقالت له : ما فعل عُثمان ؟ قال : قُتل! قالت : بُعداً وسحقاً ، فمن بايع الناس ؟
قال : طلحة. قالت : إيهاً ذو الإصبع. ثمَّ لقيها آخر ، فقالت : ما فعل الناس ؟
قال : بايعوا عليَّاً. قالت : والله ما كنت أُبالي أن تقع هذه على هذه ، ثُمَّ رجعت إلى مكَّة. فانصرفت إلى مكَّة وهي تقول : قُتل والله عُثمان مظلوماً ، والله لأطلبنَّ بدمه!
قيل لها : ولِمَ ؟ والله إنَّ أوَّل من أمال حَرْفَه لأنتِ ، ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر.
قالت : إنَّهم استتابوه ، ثُمَّ قتلوه ، وقد قلتُ وقالوا ، وقولي الأخير خيرٌ من قولي الأوَّل.
وقبل أن يخرج موكب عائشة ويدلو بدلوه ، كان الإمام عليه السلام يقول : « أمرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » ، فما مضت الأيَّام حتى قاتلهم ، وهذه من جملة الآيات الدالَّة عليه ، وقوله عليه السلام لطلحة والزبير لمَّا استأذناه في الخروج إلى العمرة ، قال : « والله والله ما تريدان العمرة وإنَّما تريدان البصرة » !
وكان من نتائج هذا التمرُّد معركة البصرة ، أوَّل نكث لبيعة الإمام عليه السلام التي انتهت بفشل موكب عائشة وقتل طلحة والزبير وعشرات الألوف من المسلمين!
وكانت الواقعة في 4 كانون الأوَّل سنة 646م ، يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 36هـ .
وكانت الوقعة خارج البصرة ، عند قصر عبيدالله بن زياد وكان عسكر الإمام عشرين ألفاً ، وعسكر عائشة ثلاثين ألفاً .
ولمَّا التقى الجمعان قال الإمام لأصحابه : « لا تبدأوا القوم بقتال ، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح ، وإذا هزمتموهم فلا تتَّبعوا مدبراً ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثِّلوا بقتيل ، وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا ستراً ، ولا تدخلوا داراً ، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً.. ولا تهيجوا امرأةً بأذى وإن شتمن أعراضكم ، وسَبَبنَ أمراءكم وصلحاءكم » .
ثمَّ أخذ أصحاب الجمل يرمون عسكر الإمام بالنبال ، حتى قُتل منهم جماعة ، فقال أصحاب الإمام : عقرتنا سهامهم ، وهذه القتلى بين يديك..
عند ذلك استرجع الإمام وقال : « اللَّهمَّ اشهد » ، ثُمَّ لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقلَّد سيفه ورفع راية رسول الله السوداء المسمَّاة بالعقاب؛ فدفعها إلى ولده محمَّد بن الحنفية.
ولمَّا رأى الإمام هذا الموقف الرهيب من كلا الطرفين ، وعلم أنَّ المعركة لا تنتهي أبداً مادام الجمل واقفاً على قوائمه قال : « إرشقوا الجمل بالنبل ، واعقروه والا فنيت العرب ، ولايزال السيف قائماً حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض ». فقطعوا قوائمه ، ثُمَّ ضربوا عجز الجمل بالسيف ، فهوى إلى الأرض وعجَّ عجيجاً لم يُسمع بأشدِّ منه. فتفرَّق من كان حوله كالجراد المبثوث ، وبقيت قائدة المعركة لوحدها في ميدان الحرب! وانتهت المعركة بهزيمة المتمرِّدين من أصحاب الجمل.
حَرْبُ صفِّيْن
لما انتهت فتنة الجمل استعد الإمام لحرب معاوية، وكان(ع) قد أرسل إلى معاوية قبل ذلك يدعوه إلى الطاعة فرفض واختار القتال، وجهز جيشاً كبيراً واتجه نحو العراق.
وصل الإمام إلى صفين في ذي القعدة وبدأت الحرب في أول ذي الحجة عام 36 للهجرة، وحصلت هدنة في شهر محرم، ثم استأنف القتال في أول شهر صفر وانتهي في الثالث عشر منه، فعسكَرَ الإمام في النُّخَيلة، ونزل معاوية في وادي صفين، فأرسل الإمام مقاتليه فقاتلوهم أشد قتال حتى أبعدوا جيش معاوية عن الماء، ومنعوا أهل الشام من الشرب فأرسل لهم الإمام(ع) قائلاً: خذوا من الماء حاجتكم وخلُّوا عنهم ، فإنَّ الله نصركم بغيِّهم وظلمهم:
واحتدم القتال بين الطرفين ، فاقتتلوا يومهم كلَّه قتالاً شديداً لم يشهد له تاريخ الحروب مثيلاً ، ثُمَّ تقدَّم الإمام عليٌّ عليه السلام بمن معه يتقدَّمهم عمَّار بن ياسر ، ولمَّا برز لعمر بن العاص قال عمَّار : « لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة ما هي بأبرَّ وأنقى » يعني : راية معاوية.
وقد تضعضع الكثيرون من أتباع ابن أبي سفيان لموقف عمَّار ، لأنَّ مقولة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه لم تكن خافيةً على أحدٍ من الناس : « فطوبى لعمَّار تقتله الفئة الباغية ، عمَّار مع الحقِّ يدور معه كيفما دار.
ولمَّا قُتل عمَّار ، قال عليٌّ لربيعة وهمدان : « أنتم درعي ورمحي » فانتدب له نحو من اثني عشر عليه السلام وتقدَّمهم عليٌّ على بغلة ، فحملوا معه حملة رجلٍ واحدٍ ، فلم يبقَ لأهل الشام صفٌّ الا انتقض ، وقتلوا كلَّ من انتهوا إليه.. حتى رأوا الظفر.
رَفْعُ المَصَاحِف
لمَّا رأى عمرو أنَّ أمر أهل العراق قد اشتدَّ وخاف الهلاك ، قال لمعاوية : هل لك في أمرٍ أعرضه عليك ، لا يزيدنا الا اجتماعاً ، ولا يزيدهم الا فرقةً ؟
قال : نعم. قال : نرفع المصاحف ، ثُمَّ نقول : هذا حكم بيننا وبينكم.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا كتاب الله عزَّ وجلَّ بيننا وبينكم ، مَنْ لثغور الشام بعد أهله ؟ مَنْ لثغور العراق بعد أهله ؟ فلمَّا رآها الناس قالوا : نجيب إلى كتاب الله. فقال لهم عليٌّ عليه السلام : « عباد الله امضوا على حقِّكم وصدقكم وقتال عدوِّكم ، فإنَّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحَّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرَف بهم منكم ، قد صحبتهم أطفالاً ثُمَّ رجالاً ، فكانوا شرَّ أطفال وشرَّ رجال ، ويحكم والله ما رفعوها الا خديعةً ووهناً ومكيدة ».
فقالوا له : لا يسعنا أن نُدعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله!
فقال لهم عليٌّ عليه السلام : « فإنِّي إنَّما أُقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب ، فإنَّهم قد عصو الله فيما أمره ونسوا عهده ونبذوا كتابه ».
حَرْبُ النّهْرَوَان
لمَّا بلغ عليَّاً عليه السلام قتل « المحكِّمة » لعبدالله بن خباب بن الأرت واعتراضهم الناس ، وقتلهم مبعوث الإمام إليهم ، قال المسلمون الذين معه : يا أمير المؤمنين علامَ ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا ؟ سر بنا إلى القوم ، فإذا فرغنا منهم سرنا الى عدوِّنا من أهل الشام.
فرجع عليه السلام بجنده الذين ذعروا على أهليهم من خطر الخوارج ، والتقت
الفئتان في النهروان ، فلم يبدأهم الإمام عليه السلام بحرب ، حتى دعاهم إلى الحجَّة والبرهان ، فبعث إليهم ابن عبَّاس أمامه ، فناظرهم بالحجَّة والمنطق السليم ، لكنَّهم أصرُّوا على العمى والطغيان! ثُمَّ تقدَّم الإمام عليه السلام ، وذكَّرهم نهيه عن قبول التحكيم وإصرارهم عليه ، حتى لم يبقَ لديهم حجَّة ، وحتى رجع أكثرهم وتاب ، وتعبأ الفريقان ، ثمَّ جاءت الأنباء أنَّ الخوارج قد عبروا الجسر ، فقال عليه السلام : « والله ما عبروا ، ولا يقطعونه ، وإنَّ مصارعهم لدون الجسر » ، ثُمَّ ترادفت الأخبار بعبورهم وهو عليه السلام يحلف أنَّهم لن يعبروه وأنَّه « والله لا يفلتُ منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة »! فكان كلُّ ذلك كما أخبر به الإمام عليٌّ عليه السلام ، فأدركوهم دون النهر ، فكبَّروا ، فقال الإمام عليه السلام : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت » .
وكان عليٌّ عليه السلام قد قال لأصحابه : كُفُّوا عنهم حتى يبدأوكم ، فتنادوا : الرواح إلى الجنَّة! وحملوا على الناس . واستعرت الحرب ، واستبسل أصحاب الإمام عليه السلام استبسالاً ليس له نظير ، فلم ينجُ من الخوارج الا ثمانية فرُّوا هنا وهناك ، ولم يُقتل من أصحاب الإمام عليه السلام غير تسعة ، وقيل : سبعة
وانجلت الحرب بانجلاء الخوارج وهلاكهم ، وقد روى جماعة أنَّ عليَّاً عليه السلام كان يحدِّث أصحابه قبل ظهور الخوارج ، أنَّ قوماً يخرجون ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة ، علامتهم رجل مُخدَج اليد ، سمعوا ذلك منه مراراً .
إِسْتِشهَادُ الإِمَامِ عَليٍّ(ع)
كان سبب قتله أنَّ نفراً من الخوارج اجتمعوا بمكَّة ، فتذاكروا أمرالناس وعابوا عمل ولاتهم ، ثُمَّ ذكروا أهل النهر فترحَّموا عليهم ، وقالوا : مانصنع
بالبقاء بعدهم ؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد!
وقال عبدالرحمن بن ملجم المرادي ـ لعنه الله ـ : أنا أكفيكم عليَّاً ، وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبدالله التميمي الصُريمي : أنا أكفيكم معاوية. أمَّا عمرو بن بكر التميمي ، فقال : أنا أكفيكم عمرو بن العاص. وتعاهدوا على ذلك وأخذوا سيوفهم فسمُّوها ، واتَّعدوا لسبع عشرة من رمضان ، وقصد كلٌّ منهم الجهة التي يريد.
فأتى ابن مُلجم الكوفة كاتماً أمره ، فبينما هو هناك إذ زار أحداً من أصحابه من تيم الرباب ، فصادف عندهُ قطام بنت الأخضر التيميَّة.. وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان ،فلمَّا رآها أخذت قلبه فخطبها ، فأجابته إلى ذلك على أن يُصدِقها : ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً ، وقتل عليٍّ!!
فقال لها : والله ، ما جاء بي الا قتل عليٍّ ، فلكِ ما سألتِ!
قالت : سأطلب لك من يشدُّ ظهرك ويساعدك ، وبعثت إلى رجلٍ من قومها اسمه : وردان وكلَّمته فأجابها..
وروي أنَّ الإمام عليه السلام سهر في تلك الليلة التي قُتل فيها ، وكان يكثر الخروج والنظر إلى السماء ، وهو يقول : « والله ما كذبتُ ولا كُذبت ، وإنَّها الليلة التي وُعدتُ بها » ثُمَّ يعاود مضجعه ، فلمَّا طلع الفجر شدَّ إزاره وخرج وهو يقول:
« أُشدد حيازيمك للموت * فإنَّ المــوت آتيــك
ولا تجـزع من الموت * إذا حـلَّ بواديك » (
وأخذ ابن ملجم سيفه ومعه شبيب بن بَجَرة ووردان ، وجلسوا مقابل السدَّة التي يخرج منها عليٌّ عليه السلام للصلاة.. فضربه ابن ملجم أشقى الآخرين لعنه الله ، ليلة تسعة عشر من شهر رمضان ، سنة أربعين من الهجرة ، في المسجد الأعظم بالكوفة ، ضربه بالسيف المسموم على أُمِّ رأسه.
فمكث عليه السلام يوم التاسع عشر وليلة العشرين ويومها ، وليلة الحادي والعشرين الى نحو الثلث من الليل ثُمَّ قضى نحبه شهيداً محتسباً صابراً وقد مُلئ قلبه غيضاً..
بتلك الضربة الشرسة التي ارتجَّ لها المسجد الأعظم ، دوى صوت الإمام المظلوم بنداء : « فزت وربِّ الكعبة » لم يتلكَّأ ولم يتلعثم في تلك اللحظات التي امتُحن قلبه ، وهو القائل « والله لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً » هذا الإمام العظيم الذي طوى صفحات ماضيه القاسية بدمائه الزكية الطاهرة ، أدرك في لحظاته الأخيرة أنَّه أنهى خطَّ الجهاد والمحنة ، وكان أسعد المخلوقين في هذه اللحظات الأخيرة ، حيث سيغادر الكفر والنفاق والغشَّ والتعسُّف.. سيترك الدنيا لمن يطلبها؛ ليلحق بأخيه وابن عمِّه ورفيق دربه في الجهاد في سبيل الله صابراً مظلوماً ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..
الإِمَامُ عليٌّ(ع) فِيْ نَظَرِ رسُولِ الله(ص)
قال رسول الله(ص)
1- عنوان صحيفة المؤمن حب علي:
2- لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي:
3- حامل لوائي في الدنيا والآخرة:
4- أمرني ربي بسد الأبواب إلا باب علي:
5- الصدّيقون ثلاثة: مؤمن آل ياسين ومؤمن فرعون، وأفضلهم علي:
6- لكل نبي وصي ووارث، ووصيي ووارثي علي:
7- يا علي! الناس من شجر شتّى وأنا وأنت من شجرة واحدة:
8- أعلم أمتي من بعدي علي:
9- من كنت مولاه فعلي مولاه:
10- أولكم وروداً على الحوض أوّلكم إسلاما:
11- لا يبلّغ عني إلا علي:
12- الفاروق بين الحق والباطل:
13- إمام البررة , وقاتل الفجرة , منصور من نصره ، مخذول من خذله:
14- أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي:
15- حقه على الأمة كحق الوالد على ولده:
16- علي مع الحق والحق مع علي:
17- علي مع القرآن:
18- علي وشيعته هم الفائزون:
19- أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت باب المدينة:
20- حبه إيمان وبغضه نفاق:
21- علي قسيم الجنة والنار:
22- علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي:
23- ما عرف الله إلا أنا وأنت وما عرفني إلا الله وأنت وما عرفك إلا الله وأنا:
24- كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله:
25- أقدم أُمتي سلماً وأكثرهم علماً وأصحهم ديناً وأفضلهم يقيناً وأكملهم حلماً وأسمحهم كفاً وأشجعهم قلباً: علي، وهو الإمام على أُمتي:
26- إن الله قد فرض عليكم طاعتي ونهاكم عن معصيتي، وفرض عليكم طاعة علي بعدي ونهاكم عن معصيته، وهو وصيي ووارثي، وهو مني وأنا منه، حبه إيمان وبغضه كفر، محبه محبي ومبغضه مبغضي، وهو مولى من أنا مولاه، وأنا مولى كل مسلم ومسلمة، وأنا وهو أبوا هذه الأمة:
27- من ناصب عليّاً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله، ومن شكّ في عليّ فهو كافر:
28- عليّ منّي مثل رأسي من بدني:
29- من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في عزمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى عليّ ابن أبي طالب:
30- ألا إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمّة، يفرّق بين الحقّ والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين.