• الموقع : المجلس الإٍسلامي الشيعي الأعلى - لبنان .
        • القسم : النشاطات واللقاءات .
              • الموضوع : خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب .

خطبة الجمعة لنائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس - طريق المطار  وألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اوجه التحية بداية الى اخواننا على احياء مجلس عاشوراء،حيث اكدوا ولاءهم لأهل البيت، والوفاء لنهجهم ولشهدائهم ولخطهم. 

أيّها الاخوة،

 ما من شكّ ان الازمات التي يعيشها مجتمعنا كثيرة ومتنوعة، بعضها يُشكّل أخطر مظاهر الضعف لديه، إن لم يُعمَل على معالجتها فتحت أبواباً لولوج الشرّ إليه، أولها تآكله الذاتي لافتقاده المناعة اللازمة، تماماً كمن أُصيب بمرضٍ إن لم يبادر لأخذ العلاج تفاقم الداء وأصبح الشفاء منه أكثر صعوبة كلما تأخر أكثر.

  فالمجتمع كالجسد يحتاج الى توفير عوامل المناعة التي تُبقيه بمأمنٍ من أن يُصاب بالضعف ليبقى سليم البنية، قادراً على الاستمرار في أداء مهماته البيولوجية أولاً، ومن ثم قادراً على الصمود أمام التحديات الخارجية. فكما يحتاج كل عضو من أعضائه الى إمداده بأسباب الحياة من العناصر الغذائيه ليكون سليماً، كذلك في أداء وظيفته كجسدٍ واحد وتكامل عناصره في ما بينها، وإلا كان عاجزاً أو قاصراً.

وهنا نتذكر رسول الله (ص) عندما شبَّه المجتمع بالجسد الواحد في قوله: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

وقد عدَّد (ص) في هذا القول العناصر الضرورية التي ينبغي توفرها بين أفراد الأمة التي توفر الحياة للأفراد كما توفرها للجماعة، حتى تستطيع القيام بالوظيفة الالهية التي أُسندت اليها وكانت سبباً لوجودها. فهي كما تكون سبباً لحياة الافراد وسلامتهم النفسية والأخلاقية، كذلك بالنسبة للأمة. فهناك وظيفتان: وظيفة فردية متعلقة بالأفراد على نحو الاستغراق، يُسأل كل فردٍ عنها وحده بغض النظر عن الآخرين، يثاب ويُعاقَب عليها كفرد، وهناك وظيفة أخرى للأفراد باعتبارهم أمة.

فعلى مستوى الفرد مثلاً فإن هناك مسؤوليات متعلّقة به هو، كالواجبات العبادية مثل الصلاة والصوم والحجّ أو كالاعتقادات، وهو ما نُعبّر عنه بأصول الايمان كالايمان بوحدانية الله وعدالته والنبوّة واليوم الآخر وغيرها كالإمامة.

وهناك مسؤوليات متعلّقة بالأمة المؤمنة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله والأمور التي لا تقوم بالأفراد ولا تتعلق بهم كأفراد، وإنما بالامة والمجتمع. فالحساب والثواب والعقاب يتعلّق بها ويكون الفرد مسؤولاً كواحد منها.. قال تعالى {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}.

والذي يهمّنا الحديث عنه هنا هو الثاني، أي الحديث عن الجماعة والأمة، ويأتي في رأس الاولويات هنا الحديث عن سلامتها ووجوب الحفاظ عليها بما هي جماعة مؤمنة تحمل رسالة ولها وظيفة، والحؤول دون انحرافها. فقد تبقى أمة ولكن قد تتخلّى عن الوظيفة الاساسية التي كانت لأجلها كما هو شأن أمتنا اليوم، فقد وُجِدَت لتكون شاهدة على الأمم بنص الكتاب العزيز.

قال تعالى :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}، فهي لم توجد لتكون أمة لأغراض دنيوية فقط، لتأكل وتشرب وتتنعم، أو تكون أمة تحمي نفسها ووجودها، أو أمة مقتدرة غاشمة كالأمم الاخرى التي تستخدم قوتها لتستعلي على الامم الأخرى، وإنما أمة تحمل رسالة إنقاذ ورسالة حياة وأخلاق وقيم فلا تتخلَّف فتُصبح أمة تابعة خانعة وذليلة ومتخلفة:

{آلر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}.

أمة حقّ ونور ومعرفة وعدل وقسطاس. الأمة الرائدة بين الأمم التي تحمل على عاتقها تحقيق القيم الإلهية، فما هي المقوّمات والشروط التي يجب توفّرها لتحقيق هذه الغاية، أمام التحديات الكبيرة التي تواجهها في هذا المسار؟

طبعاً لن تكون هذه المهمة سهلة ومتيسّرة بعد كل التحوّلات الكبرى التي جرت على مدى زمني ليس بالقصير، وكانت له تبعاته الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وخصوصاً على الصعد الديموغرافية السياسية تأثّرا بالتحوّلات الدولية والدعوة الى الديمقراطية والنزوع الى الانفصال عقب إثارة النزعات القومية والاثنية والوطنية، وإضعاف الشعور بالإنتماء الرسالي والإنتماء للأمة والجماعة بسبب ظهور الدولة الحديثة والانبهار بالنموذج الغربي بسبب العقم الفكري لدى النخبة، الذي أنتج تخلّفاً حضارياً شاملاً وتبعية عمياء لكل ما دعا اليه الغرب دون تبصّر وانتقاء.

 وقد عمل الغرب بخبثٍ ودهاء حيث فرَّق بين أمرين: بين الاسلام كتكاليف فردية، وبين الاسلام كمشروع حضاري يُنظّم حياة المسلمين ويحمل رسالة للعالم، فاستطاع إيهام المسلمين بدعوته الى حرية الممارسة والاعتقاد الديني بعدم تعارضه مع الإسلام، طالما انه يمنح المسلمين هذه الحرية، فتحوَّل الاسلام لدى المسلمين الى مجرد طقوس لا أثر لها على الصعيد الفعلي والحضاري وجعله المسلمين على هامش الحياة، وبذلك أخرج الاسلام عن دائرة التأثير العالمي وفي حين ظنَّ المسلمون، وخصوصاً النخبة الممسكة بمقاليد الأمور، ان ذلك سيخرجهم من واقع التخلّف الذي يعيشونه الى مصاف الامم الأخرى، فوجدوا أنفسهم قد وقعوا في شراك التبعية الذي نصب لهم دون أن يكون لديهم القدرة على التراجع بعد ان ارتبط بقاؤهم في السلطة بهذه التبعية، وبعد ان أُفلت الزمام من ايديهم ومكَّنوا الغرب من الامساك بمقاليد التأثير الثقافي والعلمي والتربوي، فتمزَّق شملهم وأصبح الهمّ لدى كل منهم حفظ وجوده ومصالحه وموقعه في السلطة ودوره، والتي اصبحت جوائز يمنّ بها الغرب الممسك بالقرار على الأكثر طواعيةً وتلبيةً لأهدافه ومخططاته ومصالحه في الفكر والثقافة وبرامج التعليم التي يستطيع من خلالها إحكام الطوق عليها، فهي لا تستطيع أن ترى إلا من خلال المنظار الذي صنعه لها، وإلا فالأنظمة التي أوكلها المهمة حاضرة عبر الملاحقة والاتهام والقتل والاعدام والسجون والزنازين، ثم زرع لها في قلبها العدو الصهيوني ليكون العصا الغليظة، يجلد بها ظهر كل من يُفكّر في فكّ هذه الاغلال عن عنقه من الافراد والجماعات المتنورة التي لم تتأثّر بالدعاية او تنبَّهت الى الخديعة التي جرَّ الغرب اليها هذه الأمة، بعد أن شغل نُخَبَها بجدلٍ فكريٍ فارغٍ بين اليسار واليمين، فألهاها لوقتٍ ليس بالقليل عن حقيقة ما تعاني منه، ولكنها مع ذلك بقيت فيها بقيّة من جذوة لم تزل متيقّظة الى حقيقة ما يجري، من شخصيات فكرية وحوزات دينية منتشرة في بقاع العالم الاسلامي ، الى أن قُيّد لها أن تعيد الأمل بانبعاث حركات فكرية وجهادية أُتيح لها في غفلة من الزمان أن تؤسّس لكيانٍ إسلامي نموذجي مقاوم في إيران على يد الامام الخميني (رض)، فاستطاع في فلتةٍ من الزمان هيأها له الانشغال الغربي بالحرب على الاتحاد السوفياتي الذي كان يترنَّح، أفاق له الغرب متأخراً وما زال منذ ستة وأربعين عاماً، وهو مشغول بمحاولاته للقضاء عليه بشتّى السبل دون أن يلوي على شيء، وكان له الأثر البعيد في انبعاث حالة من اليقظة في الامة الفكرية والثقة في النفس، بعد اليأس الذي دبَّ فيها عن النهوض مرة أخرى ومقارعة الطاغوت الغربي بعد صمود اسطوري وتضحيات كبرى، والتحول الذي أفرزته على الصعيد العلمي والانجازات الضخمة في بناء القدرات العلمية والتقنية والتسليحية بالاعتماد على قدراتها الذاتية، والالتفاف الشعبي الذي كان أهم مرتكزاتها في حماية كيانها الوليد رغم محاولات الغرب اليائسة لإجهاضها.

 لقد بعثَ ذلك الامل لدى شعوب المنطقة والامة فخرجت المقاومة من بين الركام في لبنان لتُحقّق المستحيل بإخراج العدو الاسرائيلي من لبنان، وتعلن عن تحرير معظم أراضيه في الخامس والعشرين من أيار عام ألفين ميلادية، كأول انتصار عربي واسلامي أجبر العدو على الانسحاب من جنوب لبنان دون قيد او شرط، ما عزَّز الشعور بالقوة، فانطلقت بعدها المقاومة الفلسطينية بقوة في حروب متتالية أنجزت على أثرها إخراج العدو من غزة، ثم تتالت إنجازات المقاومة فأُفشل العدوان الاسرائيلي على لبنان في عام ألفين وستة وما ترتَّب عليه من إخراج الاسرى بمن فيهم المحكومون بالمؤبد، ولم تقتصر على الاسرى اللبنانيين، ما أشعل الجماهير العربية والاسلامية وبعث الخوف في دوائر القرار الغربي الذي حاول أن يطمس هذا الانجاز بخلق فتنة داخل الامة، كحلقة من حلقات المواجهة مع هذا العدو الخبيث الذي حقق إنجازاً تكتيكياً في هذه المواجهة، كانت له ندوب عميقة في جسد الامة، سرعان ما بدا التعافي منه بالملحمة البطولية التي سطَّرها أبطال غزة في معركة طوفان الاقصى ليصدق عليها قول الله تعالى: { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} وسطَّر فيها أبطال المقاومة في لبنان أعظم الإسناد وقدَّموا أعظم التضحيات حتى إذا فشل العدو رغم تضافر الكفر فيها على النيل منها فما استطاعوا، فأرادوا الذهاب لتجربة حظهم مع النبع الاصيل مع الجمهورية الاسلامية الايرانية علَّهم يجدون طوق نجاة، ولكنهم عادوا مخزيين بالتدمير الذي أصاب مركز البغي وما حسبوه قلعتهم الحصينة في الكريوت وحيفا وتل أبيب.

لقد أجمع الكفر أمره بعد الفشل العسكري الذريع الذي مُنِيَ به، سواءً مع غزة أو لبنان أو اليمن وأخيراً في ايران.. أجمع أمره لينال من لبنان بشنّ حرب نفسية أعدَّ لها ما لم يستطعه بالحرب العسكرية فثبتنا له وواجهنا هذه الحرب القذرة.

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}.

وسيُهزم الجمع ويولون الدبر بقوة وعزيمة شعب لبنان الأبي، وبحكمة ووحدة الموقف اللبناني القوي الذي وفَّرت له جماهير عاشوراء والخطاب العاشورائي أرضاً صلبة يقف عليها، ما يجب على اللبنانيين جميعاً أن يقتدوا بها ويقفوا صفاً واحداً الى جانب الدولة لينالوا شرف الموقف وليكونوا شركاء في إفشال مخططات أعداء لبنان والضغوط التي أُريد منها إيقاع الفتنة بين اللبنانيين.

وليعلم الجميع أن وحدة الموقف اللبناني وتوحّد اللبنانيين حوله، الى جانب صمود المقاومة وعقلانية قيادتها وحكمتها أقوى عوامل الانتصار.

  ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

 


  • المصدر : http://www.shiitecouncil.com/subject.php?id=155
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2025 / 07 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 07 / 12